للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستعار له الاحتباء، وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره على تلك الهيئة.

(وقد تحصل) الغرابة (بتصرف في العامية كما في قوله)

ولما قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح

وشدّت على دهم المهاري رحالنا ولم ينظر الغادي الّذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... (وسالت بأعناق المطيّ الأباطح) (١)

التمسيح: كالمسح المهاري: كالصحاري والجواري، جمع المهرية، وهي الناقة المنسوبة إلى مهرة بن حيدان بطن من قضاعة، والأباطح: جمع أبطح، وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى. والنظر محركا يجيء بمعنى الانتظار.

يريد: لما فرغنا عن أداء مناسك الحج، ومسحنا أركان البيت عند طواف الوداع، وشددنا الرحال على المطايا وارتحلنا، ولم ننظر الغادي الذي هو رائح للاستعجال أخذنا في الأحاديث وأخذت المطايا في سرعة السير، استعار السيلان للسير الحثيث في غاية السرعة للإبل، والشبه فيه ظاهر عامي، لكن قد تصرف فيه بما أفاده اللطف والغرابة.

(إذ أسند الفعل) يعني سالت (إلى الأباطح دون المطي) أو أعناقها حتى أفادت أنه امتلأت الأباطح من الإبل، كما في نهر جار، فإنه إنما يسند الجريان إلى النهر إذا امتلأت الإناء بحيث لا يتميز من الماء.

(وأدخل الأعناق في السير) حيث جعلت الأباطح سائلة مع الأعناق، فجعل الأعناق سائرة إشارة إلى أن سرعة سير الإبل وبطئه إنما يظهران غالبا في الأعناق، ويتبين أمرهما فيه وسائر الأجزاء يستند إليهما في الحركة، وتبعهما في الثقل والخفة.

هذا ما ينظر في هذا المقام، ولا يخفى أن النجاة من السيل يكون بأخذ أمر يحفظ الغريق عن الغرق، فجعل الأحاديث كأعمدة أخذ بكل طرف منه واحد من المصاحبين يسهل عليهم سيلان المطايا، بعد جعل سيرهن سيلا تصرف دقيق،


(١) الأبيات لكثير عزة في الإشارات ص ٢١٧ والشطر الثاني من البيت الثالث في الإيضاح: (١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>