للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغ التشبيه معه مرتبة يخص بها أخص الخواص.

ثم إنه يمكن حمل التشبيه على ما هو خاصيّ في أصله، بأن يقال: لم يقصد تشبيه السير بالسيل في السرعة، بل تشبيه المطايا، وهي الإبل التي لها لون السيل بنفس السيل في الاتصال والحمرة والسرعة، وتشبيه أعناقها المرتفعة المتحركة بما يجري على السيل، ولا يخفى أن هذا تشبيه مركب مبتدع في غاية الدقة.

ولك أن تريد بالأباطح: الطرق، فيكون من تشبيه الطرق بالأباطح، بعد تشبيه السير بالسيل في السرعة، فيكتنف تشبيه السير بالسيل بضم تشبيه الطرق بالأباطح إليه دقة وخصوصا.

قال المصنف: وقد تحصل الغرابة بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل، كما في قول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل:

ألا يا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل (١)

أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له صلبا يتمطى به؛ إذ كان كل ذي صلب يزيد شيء في طوله عند تمطيه، ثم بالغ في ذلك، جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهرة، والشدة والمشقة فاستعار له «كلكلا» أي: صدرا ينوء به أي: يثقل به، هذا كلامه.

قال الشارح: والظاهر: أن هذا من قبيل الاستعارة بالكناية، كاليد للشمال، يعني: ليس مما نحن فيه من الاستعارة المصرحة، ولا يخفى أن التقسيم إلى العامية والخاصية مما يجري في الاستعارة بالكناية أيضا؛ لأنه دائر على ظهور الجامع وغرابته.

فلا يبعد أن يصير الاستعارة بالكناية في الليل باعتبار تشبيهه المبتذل


(١) الأبيات لامرىء القيس في ديوانه: (١١٧) من معلقته المشهورة.
كموج البحر: يعني في ظلمته وكثافته، أرخى سدوله: أرسل ستوره ويريد بها ظلمته، تمطى بصلبه: تمدد بجسده، أردف أعجازا: تابع أواخره بأوائله، بككل: بمعنى حط وبمعنى بعد، الأولى بالمقام أي: حط بصدره.

<<  <  ج: ص:  >  >>