(ومجردة، وهي ما تقارن بما يلائم المستعار له) ينبغي أن تقيد ما يلائم المستعار له بأن يكون فيه تبعيد للكلام عن الاستعارة وتزييف لدعوى الاتحاد؛ إذ ذكروا أن في التجريد كسر المبالغة في التشبيه، فعلى هذا لا يكون فيه تبعيد الكلام في قوله:
قامت تظللّني ومن عجب ... شمس تظللّني من الشمس (١)
تجريد من إسناد التظليل؛ لأن التعجب من التظليل أخرجه عن أن يوجب خللا في دعوى الاتحاد؛ إذ لو لم يكن عين الشمس، كيف يتعجب من تظليله.
(كقوله) أي: قول كثيّر تصغير كثير صاحب عزة [(غمر الرّداء) أي: كثير العطاء استعير الرداء للعطاء؛ لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء، ما يلقى عليه من الغبار والدنائس، بقرينة سياق الكلام، وذكر الغمر لا للقرينة، بل للتجريد؛ لأنه الماء الكثير فأضافه إلى العطاء مريدا به الكثير، وقد شاع وصف العطاء بالكثرة، وتعارف دون الرداء. قال الزمخشري: ولولا قصده إلى التجريد، وكأن قصده الترشيح لقال: سابغ الرداء؛ لأن الرداء هو الموصوف بالسبغ والسعة دون الكثرة.
هذا ونحن نقول: قد ذكر في القاموس: الغمر من الثياب السابغ، والغمر لمطلق الماء الكثير، فالغمر المضاف إلى الرداء بالترشيح أشبه على أنه لو حمل على الكثرة لاحتيج إلى التجريد من الماء.
وهاهنا نكتة لا بد من التنبيه عليها، وهي أنه إذا اجتمع ملائمان للمستعار له، فهل يتعين أحدهما للقرينة أو الاختيار إلى السابغ يجعل أيهما شاء قرينة والآخر تجريدا؟
قال بعض الأفاضل: ما هو أقوى دلالة على الإرادة للقرينة والآخر للتجريد.
ونحن نقول: أيهما سبق في الدلالة على المراد قرينة والآخر تجريد، كيف لا والقرينة ما نصبت لدلالة على المراد، وبعد سبق أحد الأمرين في الدلالة لا معنى لنصب اللاحق؟