للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا كون الغمر تجريدا، وسياق الكلام قرينة محل نظر، والأوجه: أن كلا من الملائمين المجتمعين إن صلحت قرينة فقرينة، ومع ذلك الاستعارة مجردة، ولا تقابل بين المجردة ومتعددة القرينة، بل كل متعددة القرينة مجردة.

(إذا تبسّم) البسم والتبسم والابتسام أقل الضحك وأحسنه، فقوله:

[(ضاحكا)] حال مؤكدة.

ولك أن تجعله حالا مقيدة، فإن تبسم الكريم قد يكون في مقام الإنعام وعلامة لإنجاح السؤال، وقد يكون لمجرد الضحك، فقوله: «ضاحكا» احتراز عن التبسم معطيا ومجيبا للسؤال، يعني: بلغ من العطاء أن تبسمه حال ضحكه من غير إرادة إجابة سؤال تملك السائلين أمواله، والمراد: التمليك في الواقع، لا في ظن السائلين كما ظن فإن فيه رعاية مقام المدح.

تتمة البيت [غلقت بضحكته رقاب المال] (١) يقال: غلق الرهن في يد المرتهن إذا لم يقدر الراهن على انفكاكه، وهذا مجاز مشهور، أصله أنه كان في الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المشروط ملك المرتهن الرهن، كذا في الفائق.

فمعنى البيت: إذا تبسم غلقت رقاب أمواله في أيدي السائلين.

قال المصنف في الإيضاح: وعليه قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ وذكر في بيانه ما تنقيحه: أن الإذاقة تجريد للباس المستعار لشدائد الجوع والخوف بعلاقة العموم جميع البدن عموم اللباس؛ ولذا اختاره على طعم الجوع الذي هو أنسب بالإذاقة، وإنما كانت الإذاقة من ملائمات المستعار له، مع أنه ليس الجوع والخوف من المطعومات؛ لأنه شاعت الإذاقة في البلايا والشدائد، وجرت مجرى الحقيقة في إصابتها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر والبشيع، واختار التجريد على الترشيح، ولم يقل: فكساها الله لباس الجوع والخوف؛ لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس، فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة ليست في الكسوة؛ هذا كلامه.


(١) البيت لكثير عزة في الإيضاح ص ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>