وقد اقتفى في ذلك أثر الزمخشري، فقوله: شبه ما يدرك من أثر الضر والألم، وبما يدرك من طعم المر والبشيع بيان لوجه تعارف الإذاقة والذوق في إصابة الشدائد، وما نشأ منه هذا التعارف لبيان أن في الآية استعارتين:
إحداهما: تصريحية، وهو أنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من بعض الحوادث باللباس؛ لاشتماله على اللابس، ثم استعير له اللباس.
والأخرى: مكنية، وهو أنه شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر والبشيع، حتى أوقع عليه الإذاقة، فتكون الإذاقة استعارة تخييلية لا تجريدية، كما ظنه الشارح فنسب إلى القوم والزمخشري اعتبار تينك الاستعارتين في الآية؛ لأن جعل الإذاقة قرينة للاستعارة بالكناية يقتضي إرادة حقيقتها، وجعلها تجريدا إرادة ما تفارقت من إصابة الشدائد، ولا يجتمعان.
وإن قال بعض: أن لا بأس بإرادة حقيقة الإذاقة لجعلها قرينة على الاستعارة بالكناية، لا لاعتبارها في نظم الكلام، وإرادة المعنى المتعارف في نظم الكلام؛ لأنه خال عن التحصيل على أن إرادة حقيقة الإذاقة هنا تحتاج إلى قرينة، فكيف تجعل قرينة على الاستعارة بالكناية.
(ومرشحة) عطف على مجردة، كما أن المجردة عطف على مطلقة، والثلاثة خبر مبتدأ محذوف، أي: هي مطلقة ومجردة ومرشحة، وملاحظة العطف سابقة على ملاحظة الربط ليصح جعلها خبرا من الكناية عن الأقسام الثلاثة.
وأما ما يشعر به كلام الشارح أن الثلاثة أخبار لمقدرات ثلاثة: أي الأول مطلقة، والثاني مجردة، والثالث مرشحة، فبعيد ولعل مراده ليس ما تشعر به عباراته.
(وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه) ولم يلتفت إلى ما يقرن بما يلائم المستعار له في الاستعارة بالكناية، مع أنه أيضا ترشيح لأنه ليس هناك لفظ يسمى استعارة، بل تشبيه محض.
وكلامه في الاستعارة المرشحة التي هي قسم المجاز لا في ترشيح يشمل ترشيح الاستعارة، والتشبيه المضمر في النفس، وأما عدم التفاوت فالسكاكي يوهم ما ليس عنده، وهو: أن المرشحة من أقسام الاستعارة المصرحة، إذ التحقيق أن