للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صرح به حيث مثل للتخييلية بأظفار المنية المشبهة بالسبع، والسلف إما أن ينكروا المثال ويجعلوه مصنوعا أو يجعلوا الأظفار ترشيحا للتشبيه لا استعارة تخييلية.

وقد صرح في فصل بيان جهات حسن الاستعارة أيضا به حيث قال:

التخييلية، فلما يحسن الحسن البليغ بدون الاستعارة بالكناية؛ ولذلك استهجنت في قول الطائي لا تسقني، هذا يريد قول أبي تمام (١):

لا تسقني ماء الملام فإنّني ... صبّ قد استعذبت ماء بكائي

ويريد بالاستهجان ما نقل أن بعض أصحاب الطائي بعث إليه قارورة، وقال:

ابعث لنا فيها ماء الملام، فقال في جوابه: ابعث لنا من جناح الذل حتى نبعث لك من ماء الملام.

يعني إنما وقع مني مثل: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ (٢) ولم يلتفت إلى ما ذكره في الجواب، وجعل الاستهجان بمكان؛ لأن الآية ليست من قبيل ماء الملام، حتى يذب عنه الملام؛ لأن الطائر عند إشفاقه وتعطفه على أولاده يخفض جناحه، ويلقيه على الأرض، وكذا عند تعبه ووهنه، والإنسان عند تواضعه يطأطئ من رأسه، ويخفض من بدنه، فشبه ذله وتواضعه بإحدى حالتي الطائر على طريقة الاستعارة بالكناية.

ويضاف إليها الجناح قرينة لها، فإنها من الأمور الملابسة للحالة المشبه بها، واستبعد المصنف وجودها بدون المكنية جدا؛ إذ لا يوجد له مثال في كلام البلغاء، وقال: قول الطائي ليس فيه دليل على وقوعه؛ لجواز أن يكون أبو تمام شبه الملام بظرف الشراب؛ لاشتماله على ما يكرهه الملوم، كما أن الظرف قد يشتمل على ما يكرهه الشارب لبشاعته ومرارته؛ فتكون التخييلية في قوله تابعة للمكنى عنها أو بالماء نفسه؛ لأن اللوم قد يسكن حرارة الغرام كما أن الماء يسكن غليل الإدام، فيكون تشبيها على حد لجين الماء فيما مر، لا استعارة.

والاستهجان على الوجهين؛ لأنه كان ينبغي أن يشبهه بظرف شراب مكروه أو


(١) البيت لأبي تمام في المفتاح ص ٤٩٨ بتحقيقنا، والمصباح ص ١٤٢، ونهاية الإيجاز ص ٢٥٤.
(٢) الإسراء: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>