القوم، فحينئذ لا حاجة له إلى استعارة قرينة المكنية لشيء حتى تبقى التبعية مع ذلك بحالها، ولا يتقلل الأقسام بهذا، فلا يتم ما رد به المصنف رده.
فإن قلت: لم يجعل السلف الاستعارة بالكناية المشبه المستعمل في المشبه به، كما اعتبره في هذا الرد، فكيف لا يتأتى لك توجيه كلامه بأن رده على قاعدة السلف من غير أن يكون مختارا له.
قلت: لا شبهة فيما ذكرنا، والعهدة عليه في قوله كما تراهم في قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها، يجعلون المنية استعارة بالكناية، ولا يضرنا فيما ذكرنا من توجيه كلامه.
(ورد) رد السكاكي التبعية إلى المكنى عنها (بأنه) أي: السكاكي أو الشأن (إن قدر) أي السكاكي وإن قدر (التبعية) فتأمل (حقيقة) كما هو طريقة غيره في قرينة المكنى عنها (لم تكن تخييلية) على مذهبه؛ (لأنها مجاز عنده) ولا يخفى أن هذا الترديد قبيح؛ لأنه لما قال: وجعل التبعية قرينتها على نحو قوله في المنية وأظفارها لم يبق احتمال تقديره حقيقة، وإلا لم يكن على نحو قوله، فكان عليه أن يقول على نحو المنية وأظفارها ليحسن هذا الترديد، وأيضا ينبغي أن يقول: إن قدر التبعية غير استعارة لم يكن تخييلية؛ لأنها مجاز عنده (فلم يكن المكنى عنها مستلزمة للتخييلة، وذلك باطل بالاتفاق)(١) لئلا يتجه المنع على قوله (وإلا) أي: وإن لم يقدر حقيقة (فتكون استعارة) لجواز أن يكون مجازا مرسلا، وأن لا يضر هذا المنع؛ لأن الكون مجازا مرسلا أيضا يشارك الكون حقيقة في الفساد، وأما إثبات الملازمة بأن كون العلاقة بين المعنيين هي المشابهة، كما تصدى له الشارح المحقق، فدونه خرط القتاد.
(فلم يكن ما ذهب إليه السكاكي مغنيا عما ذكره غيره) ولا يحصل ما هو الغرض من الرد من تقليل الأقسام؛ لأن تقسيم الاستعارة إلى التبعية وغيرها بعد بحاله، إلا أن التبعية صارت برمتها قرائن الاستعارة بالكناية.
(١) دعوى الاتفاق في هذا غير صحيحة؛ لأن الزمخشري كما سبق يجوّز أن تكون قرينة المكنية استعارة تحقيقية، والسكاكي أيضا لم يرد عنه نص قاطع في استلزام المكنية للتخييلية، بل اضطرب في هذا كلامه هنا وفي المجاز العقلي.