للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المختصر، والتحقيق: أن المعنى أن لا تشم التحقيقية؛ إذ التمثيل مندرج تحتها، فلا حاجة إلى عود الكناية إليه أيضا.

وإنما قال لفظا أو التشبيه معنى مما لا بد منه، لكنه لفظا ينافي ادعاء دخول المشبه تحت المشبه به؛ لدلالته على كون المشبه به أقوى في وجه الشبه؛ ولذا قيل: ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك، فقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى، فإشمام رائحته لا يلائم الادعاء المذكور، فينقص من حسنه، فالاستعارة توجب انتفاء التشبيه لفظا، وحسنه يستدعي انتفاء الإشمام، فقولنا: رأيت بدرا في الحسن، ليس باستعارة وقوله: [قد زرّ أزراره على القمر] (١) استعارة قليلة الحسن؛ لأن في ذكر المشبه إشمام رائحة التشبيه، وإن كان ليس على وجه ينبيء عن التشبيه.

كذا حققه السيد السند في شرح المفتاح، وأظن أن في التجريد أيضا إشمام رائحته، ولا يخفى أنه كما تدور الاستعارة على التشبيه، فحسنها برعاية جهات حسنه يدور على القرينة أيضا، فحسنها برعاية حسن القرينة بأن تكون في الخطاب مع الذكي غير واضحة جدا، ومع البليد في غاية الوضوح، ومع المتوسط بين بين، وكأن لم يتعرض له؛ لأنه من جهات حسن مطلق المجاز من غير اختصاص بها.

(ولذلك) أي: ولأن شرط حسنهما أن لا يشم رائحة التشبيه لفظا (لوصى أن يكون التشبيه) أي: ما به المشابهة (بين الطرفين جليا) بنفسه أو بسبب عرف أو اصطلاح (لئلا تصير) الاستعارة التحقيقية (إلغازا) أي: سبب إلغاز وتعمية أي: إخفاء يقال: ألغز فلان في كلامه إذا عمّاه أي: أخفى مراده، ومنه: اللغز والجمع: ألغاز نحو رطب وأرطاب.

وتلك الوصية مخصوصة بالتحقيقة المصرحة دون الاستعارة بالكناية كما صرح به في المفتاح: قيل ذلك لأن في المكنية تصريحا باسم المشبه، فلا يصير لخفاء وجه الشبه سبب تعمية وإلغاز، والتوصية بالجلاء أي: إلى حد لا ينتهي إلى الابتذال؛ لأن شرائط حسن التشبيه أن يكون وجه الشبه غريبا غير مبتذل،


(١) البيت لابن طبا طبا العلوي، وهو في الإيضاح (٢٥٩)، والطراز: (٢/ ٢٠٣)، ونهاية الإيجاز: (٢٥٣)، والمصباح: (١٢٩)، وصدر البيت.
لا تعجبوا من بلى غلالته

<<  <  ج: ص:  >  >>