للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفهم من كون الوصية مبنية على الاجتناب عن إشمام أن وجه الشبه الخفي لا يوجب كون الاستعارة إلغازا إذا أشممت رائحة تشبيه.

(كما لو قيل: ) في التحقيقة (رأيت أسدا، وتريد إنسانا أبخر) البخر بالتحريك: النتن في الفم وغيره.

(ورأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة، وأريد الناس) تمثيل للتحقيقية والتمثيل، ولا يخص التمثيل كما يوهمه بيان الشرح؛ لأن التمثيل من التحقيقية وإنما صار إلغازا؛ لأن مشابهة الناس بالإبل المائة لا توجد فيها راحلة في عزة وجوده مرضي منتخب، فيما بينهم خفية غير واضحة، بحيث لو ترك التشبيه لفظا انتقل الذهن إليه من ذكر المشبه به؛ ولذا صرح النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتشبيه فقال:

«الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة» (١) وفي رواية «تجدون الناس كالإبل المائة ليست فيها راحلة».

الراحلة: البعير يرتحله الرجل جملا كان أو ناقة، أي يحط عليه رحله، وقوله: كالإبل مفعول ثان ليجدون، وقوله: ليست فيها راحلة: حال أو جملة مستأنفة.

(وبهذا ظهر أن التشبيه أعم محلا) أي: أعم بحسب التحقق لا بحسب الصدق؛ إذ لا يصدق التشبيه على الاستعارة، ولا الاستعارة عليه.

ونبه على إرادة العموم بينهما بحسب التحقق بقوله: «محلا» والأعم إذا أطلق ينصرف إلى الأعم المطلق، ولم يظهر بما سبق إلا افتراق التشبيه عن الاستعارة، ولا يظهر به مع ضميمة ما هو ظاهر من اجتماع التشبيه والاستعارة أنه أعم من الاستعارة، ما لم يظهر أن الاستعارة لا تفارق التشبيه، وهو لم يعلم، بل سيعلم خلافه من أنه قد تتعين الاستعارة، ولا يصح التشبيه فبينهما عموم من وجه.

وليس لك أن تحمل العموم عليه؛ لأنه خلاف العبارة، ومع ذلك لم يظهر مما سبق، وليس للأعم معنى أعم منهما، حتى يحمل عليه؛ إذ ظهر بما سبق أحد العمومين. ولما في عبارته هذه من الخلل غيّره في الإيضاح إلى قوله: وبهذا ظهر أنهما لا يجيئان في كل ما يجيء فيه التشبيه.


(١) أخرجه البخاري في الرقائق، ومسلم في فضائل الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>