النفي إلى مثل المثل، وأريد بسببه إلى المثل فرجعهما إلى استعمال لفظ دال على نفي مثل المثل في نفي المثل، إلا أنه عبر عن الأول بأن ثبوت مثل المثل لازم لثبوت المثل، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم، وعن الثاني بأن نفي المماثل عمن هو على أخص أوصافه نفي للمماثل عنه بطريق المبالغة، فالصواب: أن هذا الوجه ليس بكناية، بل هو من المذهب الكلامي بإيراد حجة على نفي المثل على طريقة أهل الكلام، فيكون المآل أنه ليس لمثله مثل؛ إذ لو كان له مثل لكان لمثله مثل هو ذاته تعالى، وحينئذ يكون لنا وجهان متميزان.
هذا، وقد عرفت التمايز بين وجهي الكناية وأن بناءه على اختلاف وجه لزوم نفي المثل لنفي المثل فيهما، وكفى شاهدا في التمايز بينهما أنه يتوجه على الثاني ما لا يتوجه على الأول، وهو أنا لا نسلم أنه لو كان له مثل، لكان ذاته مثلا بمثل؛ لأن مثل الشيء ما هو ملحق به إلحاق الناقص بالكامل، على ما عرفته في باب التشبيه، حتى لو تساويا لترقى الأمر في باب البلاغة عن التشبيه إلى التشابه.
فإن قلت: فقد سقط بهذا الفرق الوجه الثاني.
قلت: كأني بصاحب هذا الوجه يقول: ينبغي أن يكون المقصد من الآية أكثر من نفي الملحق بذاته، لئلا يقصر عن نفي المشارك، لكنا نقول لا نرضى بحمل أبلغ كل كلام على ترك ما هو أحسن من العدول من التشبيه إلى التشابه، في أمثال هذا المقام، فنقول: المراد على هذا نفي المثل، ويلزم من انتفائه انتفاء المشارك بطريق الأولى، ولا يقوم ما ذكرته من وجه الكناية، بل يتعين حينئذ الحكم بزيادة الكاف. نعم لو أريد التوجيه بطريق الكناية، فالوجه هو الأول؛ وبهذا ظهر سقوط المذهب الكلامي أنه لا يخص بالوجه الثاني، بل يصح صرف ما ذكره الكشاف أيضا على المذهب الكلامي، وأنه ليس نفي مثل المثل أوضح من نفي المثل، حتى يستدل به على نفي المثل.
وللكناية وجه ثالث يتضمن التعريض لمثبت المثل بأنك لم تتعقل الواجب، بل لم تتعقل إلا مثلا له؛ إذ لو تعقلت ذاته لم تثبت له مثلا، فاللائق بحالك في مقام نفي المثل عنه تعالى نفي المثل عن مثله تعالى، فتنبه.