هو المتبادر (في عرض) بالضم أي: ناحية (من يؤذي المسلمين «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده») فكأنك أشرت من ناحية هي لمن سلم المسلمون من لسانه ويده، إلى ناحية أخرى هي للمؤذي، فالصفة وهي الإسلام هنا مصرح بها، والموصوف وهو المؤذي غير مذكور، والنسبة وهي نفي الإسلام عنه مكنية بحصر الإسلام في غير المؤذي، على ما يفيده تعريف الجنس للمسند إليه.
فإن قلت: حصر الإسلام في غير المؤذي عبارة عن ثبوته له، ونفيه عن المؤذي؛ فيكون نفي الإسلام عن المؤذي مصرحا.
قلت: الحصر أمر إجمالي يلزمه تفصيل النفي بحسب المقام فيجوز أن يكنى بهذا المجمل عن هذا المفصل، على أنه لو كان معنى الحصر الإثبات والنفي تفصيلا، يجوز أن يكنى بالكل عن الجزء، ويجعل الكل وسيلة الانتقال إلى الجزء، ويجعل الجزء مقصودا بالإفادة، ومثال الكناية عن الصفة قولك في عرض من يعتقد حل الخمر وأنت تريد تكفيره: أنا لا أعتقد حل الخمر، وهذا كناية عن إثبات صفة الكفر له إذا كنى عن الكفر باعتقاد حل الخمر، وكناية عن نفي الإسلام عنه إذا كنى بعدم اعتقاد حل الخمر عن الإسلام.
(قال السكاكي: )(١) في أوائل بحث الكناية (الكناية تتفاوت إلى تعريض، وتلويح ورمز وإيماء وإشارة) ومساق الحديث يحسن لك اللثام عن ذلك. قال العلامة: إنما قال: تتفاوت، ولم يقل: تنقسم؛ لأن التعريض وأمثاله مما ذكر ليس من أقسام الكناية فقط، بل هو أعم.
قال الشارح: وفيه نظر، والأقرب: أنه إنما قال ذلك لأن هذه الأقسام قد تتداخل، وتختلف باختلاف الاعتبار من الوضوح والخفاء وقلة الوسائط وكثرتها.
أما وجه النظر فهو أن التعريض بهذا المعنى وهو كناية لم يذكر موصوفها ليس أعم من الكناية، وأما محصل ما ذكره من الوجه الأقرب، فهو أن كثير الوسائط قد تبلغ في الخفاء مرتبة التعريض، وهكذا فلا يمكن تقسيم الكناية إلى هذه الأقسام؛ لأنها غير منضبطة وفيه نظر؛ لأنه إذا سمى بالموصوف غير المذكور تعريضا، وما له وسائط كثيرة تلويحا فلا معنى لتداخل الأقسام.