للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غافِلُونَ (١) (ونحو) قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (٢) نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم، ويداهنوا فيها خشية ظالم أو كبير.

قال المصنف: قيل: ومنه قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٣) أي: لا يعصون الله في الحال، ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل، وفيه نظر؛ لأن العصيان يضاد فعل المأمور به، فكيف يكون الجمع بين نفيه وفعل المأمور به تضاد؟ !

هذا، وفيه نظر من وجه آخر أيضا؛ لأن ما أمرهم يأتي أن يجعل لا يَعْصُونَ اللَّهَ حالا، ويقتضي أن يقال: لم يعصوا ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فقوله: لا يَعْصُونَ اللَّهَ بمعنى لم يعصوا عبر عن الماضي بالمستقبل، قصدا إلى استمرار عدم العصيان فيما مضى وقتا فوقتا، كما في قوله تعالى: لَوْ يُطِيعُكُمْ (٤) وقد سبق.

وقال: الطباق قد يكون ظاهرا كما ذكرنا، وقد يكون خفيا نوع خفاء كقوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (٥) طابق بين أغرقوا، وأدخلوا نارا، ومثله في الاسمين بالجمع بين هاتا وتلك، والشارح لم يلتفت إلى تقسيمه هذا، بل ذكر ما يشعر بأنه لا يقول بهذا التقسيم، وأن ما هو غير الظاهر داخل في الملحق بالطباق؛ حيث قال:

ومن الملحق بالطباق قوله تعالى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً لأن إدخال النار يستلزم الإحراق المضاد للإغراق.

ونحن نقول: ما هو غير الظاهر ما لم يكن بين الفعلين والاسمين تضاد، بل حصل التضاد بتصرف في أحدهما أو فيهما في الاستعمال، فإن أغرقوا وأدخلوا فعلان لا تضاد بينهما، وإنما حصل التضاد بجعل مفعوله نارا، وكذلك هاتا وتلك ليستا إلا اسم إشارة، فليس هناك متضادان، إنما صارا متضادين لتصرف فيهما بما


(١) الروم: ٧.
(٢) المائدة: ٤٤.
(٣) التحريم: ٦.
(٤) الحجرات: جزء من الآية: ٧.
(٥) نوح: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>