جعل المشار إليه بها تارة بعيدا بعدا تاما، وتارة بعيدا في الجملة لا بعدا تاما، إلا أنه أورد في مقام التمثيل للطباق ما هو ملحق به، تنظيرا لما هو بصدده، وتنبيها على جريان هذه القسمة في الملحق بالطباق أيضا، فتوهم أنه وقع في هذا التقسيم لاشتباه الملحق بالطباق الغير الظاهر، ويجعل غرض الشارح غير هذا مساغ يتفطن له من يفهمه إلى التوجه بدقائق القصد، فراع، فكن ذلك الرجل تجده.
(ومن الطباق) لم يقل: ومنه؛ لئلا يتبادر الوهم إلى أنه من متعلقات تقسيم الطباق إلى طباق الإيجاب وطباق السلب في جعل ضمير منه إلى طباق الإيجاب.
(نحو قوله) أي: قول أبي تمام في مرثية أبي نهشل محمد بن حميد حين استشهد، وأراد «بنحو قوله» ما ضبطه ما سماه بعضهم تدبيجا بالدال المهملة والباء التحتانية الموحدة والجيم، ومن صححه بالحاء المهملة لم يزد ألا تسقيما يرده الرواية والدراية؛ إذ ليس من معاني التدبيج ما يناسبه المعنى الاصطلاحي، بخلاف التدبيج، فإنه التزيين بالديباج، على ما في القاموس. والتزيين على ما في الدستور.
قال الشارح: دبيج الأرض المطر زينها، ويناسب المعنى الاصطلاحي الذي نقل المصنف تفسيره بأن يذكر في معنى المدح أو غيره ألوانا لقصد الكناية، أو التورية، وينبغي أن يقصد بالألوان معان متضادة؛ إذ لو لم تتضاد لكانت من القسم الثاني من الملحق بالطباق، فالتدبيج بمقتضى ظاهر هذا التفسير أعم من الطباق، والملحق به، ففي جعله من الطباق نظر، ولا يظهر وجه لتخصيص التدبيج بما قصد بالألوان الكناية أو التورية من دون أن يشمل المجاز، وإنما قال:
ومن الطباق دفعا لتوهم أنه قسم له، كما توهم تخصيصه باسم أو دفعا لتوهم أنه من القسم الثاني من الملحق به.
والتضاد باعتبار المعنى الحقيقي:
(تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى ... بها اللّيل إلّا وهي من سندس خضر)(١)
وفي هذا المثال تنبيه على أن المراد بالألوان في تعريف التدبيج ما فوق
(١) البيت لأبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي، انظر البيت في: الإيضاح: (٣٠٣).