الواحد، وفي الحواشي المنقولة عنه: خضر مرفوع في البيت خبر بعد خبر؛ لأن قوافي القصيدة على حركة الضم؛ إذ من جملة أبياتها قوله:
وقد كانت البيض القواضب في الوغى ... بواتر فهي الآن من بعده بتر (١)
على ما سيجيء في رد العجز على الصدر هذا، ولا يخفى أن هذا لا يلائم قوله في شرح البيت: ولم يدخل في الليل إلا وقد صارت الثياب من سندس خضر من ثياب الجنة، فإنه واضح في جعل الخضر صفة للسندس، وهو الموافق للعرف؛ لأنه إذا ذكر أصل الثوب يجعل اللون صفة الأصل، لا الثوب.
فالوجه أن تجعل خضر مرفوعا خبر مبتدأ محذوف، أي هو خضر، ويجعل الجملة صفة سندس قال الشارح: أي ارتدي الثياب الملطخة بالدم.
هذا، فالمراد بثياب الموت ثياب مات فيها، والإضافة لأدنى ملابسة، ويصح أن يراد بثياب الموت دماء تلطخ بها بدنه، وصارت كثياب لبسها، والإضافة إلى الموت؛ لأنه ألبسها له الموت حين لبسها بمجيئه إليه، وفي جمع الثوب إشارة إلى تعدد جراحاته حتى ألبسته كل جراحة ثوبا، فالمعنى: ارتدي الدماء فما آتى لتلك الدماء الليل، ولم ينقض يومه إلا وهي من سندس خضر، والسندس: رقيق الديباج، معرب بلا خلاف، والقصد من الثياب الخمر: القتل، أو نصب السيف، ومن الثاني الحياة الأبدية أو لذات الجنة، واللذة والنصب، والقتل والحياة متضادان، فالبيت من قبيل الكناية.
وقال الشارح: لا ينفي الكناية فيه إلا من لا يعرف معنى الكناية.
أقول: الوقوع في نفي الكناية لا يتصور إلا بأن اللون ليس كناية، بل ارتداء الثياب الحمر والسندس الخضر.
والجواب: أن المراد أن للألوان دخلا في قصد الكناية، لا أن أنفسها كنايات، ومثل المصنف لتدبيج التورية بقول الحريري [فمنذ برّ العيش الأخضر، وازورّ المحبوب الأصفر، اسودّ يومي الأبيض، وابيضّ فودي الأسود، حتى رثى لي العدوّ الأزرق، فيا حبذّا الموت الأحمر].
(١) البيت لأبي تمام من قصيدة في رثاء محمد بن حميد الطوسي.