للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر، هو الإنسان الذي له صفرة، والبعيد هو الذهب، وهو المراد هاهنا فيكون تورية، كما توهمه البعض.

أقول: المتبادر من ذكر الألوان لقصد الكناية أو التورية أن لا يخرج الألوان منهما، ولا منع من الاجتماع، فالأولى أن يقال: قول الحريري مما اجتمع فيه كلاهما، فما سوى الأصفر كناية فاغبرار العش الأخضر، كناية أن تكدر العيش الناعم، واسوداد اليوم الأبيض، كناية عن سوء الحال الحسن، وابيضاض الفودين جانبا الرأس، كناية عن وهن البنية، كما أن اسوداده كناية عن قوتها.

ثم نقول: يحتمل أن يراد بالمحبوب الأصفر المحبوب الجميل لما أن بنات الأصفر كناية عن نساء الروم المشتهرة بالحسن فيما بينهم، قال عليه السّلام لأصحابه في الترغيب إلى غزوة تبوك: «هل لكم في بنات الأصفر» (١) كازورار المحبوب الأصفر أي: عدوله عنه كناية من الفقر والعجز التام، فالمثال للكناية، وكأنه لم يجد المصنف لصرف التورية مثالا، وهذا المثال أيضا غير متيقن، فكأنه لهذا لم يذكر للتورية مثالا هاهنا.

(ويلحق به) أي: بالطباق شيئان:

أحدهما (٢): الجمع بين معنيين، يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق، مثل السببية واللزوم (نحو: ) قوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (٣) فإن الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة، لكنها مسببة عن اللين) الذي يقابلها أو الشدة سبب العنف الذي يقابل الرحمة، ولا يخفى أن سبب المقابل للشيء مقابل له غير مجامع معه، كما أن مسبب المقابل للشيء مقابل له فيدخل في تعريف الطباق على المقابل لذات الشيء، وحينئذ يتجه أنه ينبغي أن يقدم قوله: ودخل فيه ما يختص باسم المقابلة على قوله: ويلحق به، ويمكن دفعه بأن المراد بقوله: ودخل فيه: أنه دخل في الطباق، والملحق به بقرينة أن


(١) ذكره ابن إسحاق في السيرة بنحوه عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم مرسلا.
(٢) هو أن يجمع بين معنيين لا يتنافيان في ذاتهما، ولكن يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر بسببه أو لزومه أو نحوهما.
(٣) الفتح: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>