للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من كلّ جهة. وكان من الأيّام المشهودة. وصعد القلعة وهو راكب، ونزل بمكان قد هيّئ له بتهيئة [٥١ ب] تليق به. وبالغ السلطان في إكرامه، واحتفل في إقامة ناموسه ووقاره.

فلمّا كان في يوم الاثنين ثالث عشره، حضر بقلعة الجبل قاضي القضاة تاج الدين، ونوّاب الحكم، وعلماء القاهرة ومصر، وأعيان الفقهاء، وكبار المشايخ الصوفيّة (١)، والأمراء، ومقدّمي العساكر، ووجوه التجّار، وأكابر الرعيّة.

واستدعي شيخ الإسلام عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام، فلمّا [١٥٠ أ] كمل الجمع، جلس أحمد ابن الظاهر، وجلس الملك الظاهر إلى جانبه، وهو في غاية التأدّب معه، من غير كرسيّ ولا طرّاحة ولا مسند. وطلب العرب وخادم من البغاددة إلى عند قاضي القضاة فشهدوا بأنّ الأمير أحمد هذا هو ابن الإمام أمير المؤمنين الظاهر ابن الإمام الناصر. وشهد باستفاضة ذلك القاضي جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر، والفقيه علم الدين [محمد بن الحسين] ابن رشيق، والقاضي صدر الدين موهوب الجزريّ، ونجيب الدين الحرّانيّ، وسديد الدين التزمنتيّ، فقبل القاضي شهاداتهم، وأسجل على نفسه بثبوت النسب، وهو قائم على قدميه في ذلك المحفل العظيم حتى تمّ الإسجال والحكم. فلمّا تمّ ذلك كان أوّل من بايعه قاضي القضاة تاج الدين. ثمّ نهض الملك الظاهر وقام على قدميه ووقف، ثمّ دنا من الأمير أحمد ومدّ يده إليه، وبايعه على العمل بكتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأخذ أموال الله بحقّها، وصرفها في مستحقّها، ونعته «بأمير المؤمنين المستنصر بالله

أبي القاسم» و [ ... ] والشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام.

فلمّا تمّت مبايعة السلطان للخليفة، قلّد الخليفة الإمام المستنصر بالله الملك الظاهر أمور البلاد الإسلاميّة، وما ينضاف إليها بما سيفتحه الله على يديه من البلاد التي بيد الكفّار. وجلس السلطان فقام الناس على قدر مراتبهم وبايعوا الخليفة واحدا بعد واحد.

وكتب عند انقضاء البيعة في المجلس إلى سائر الملوك والنوّاب بجميع الممالك أن يأخذوا البيعة على من قبلهم لأمير المؤمنين الإمام المستنصر بالله أحمد ابن الإمام الظاهر، وأن يدعى باسمه على سائر المنابر، ثمّ يدعى من بعده باسم الملك الظاهر، وأن ينقش اسمهما على السكّة (٢).

فلمّا كان في يوم الجمعة سابع عشره، خطب الخليفة بنفسه على منبر الجامع بقلعة الجبل.

واهتمّ السلطان بأمره، واحتفل به احتفالا زائدا، ونثر عليه جملا مستكثرة من الذهب والفضّة.

وخطب [ ... ] والإسكندرية.

ولمّا [٥٢ أ] شرع في الخطبة تلكّأ فيها، ثمّ عاد حتى أتمّها. ونزل عن المنبر وصلّى بالسلطان صلاة الجمعة.

وفي يوم الأحد تاسع عشره ركب الخليفة والسلطان من قلعة الجبل إلى مدينة مصر، ونزلا في الحراريق، وسارا في النيل إلى قلعة الجزيرة وجلسا فيها. وقدّمت الشواني الحربيّة فلعبت في النيل كهيئتها عند الحرب. ثمّ ركبا إلى قلعة الجبل فكان يوما من أحسن أيّام الناس بمصر لكثرة من اجتمع فيه من العالم.

وفي يوم الاثنين رابع شعبان، ركب السلطان


(١) في المخطوط: والصوفيّة.
(٢) كتبها المقريزي: الصكّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>