للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وركب الخليفة والسلطان من قلعة الجبل في الساعة السادسة من نهار الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان. وسارا بالعساكر إلى البركة فنزل كلّ منهما في دهليزه، واستمرّت النفقة في أجناد الخليفة.

فلمّا كان يوم عيد الفطر ركب السلطان مع الخليفة تحت المظلّة وصلّيا صلاة العيد. ثمّ حضر الخليفة إلى خيمة السلطان وألبسه سراويل الفتوّة (١) بحضرة أكابر الدولة.

وفي يوم السبت سادس شوّال رحل الخليفة والسلطان بجميع العساكر إلى دمشق. فلمّا نزلا الكسوة (٢) خرج عسكر دمشق إلى لقائهما في سابع ذي القعدة، ودخلا دمشق، وقد اجتمع الناس لمشاهدة الخليفة. وكان يوما عجبا، ونزل الخليفة بالتربة الصالحيّة في سفح قاسيون. فنزل السلطان بالقلعة، فصار السلطان يركب إلى خدمته في كلّ يوم.

وقد انحلّ ما كان عند السلطان من أمر الخليفة:

وذلك أنّ السلطان ضاق به لما رأى منه ومن وقاره المبثوث في نفوس الخلق. فما صدّق أن وردت على المستنصر كتب أهل العراق لاستقدامه، فجهّزه للسفر.

واتّفق مع ذلك أنّه كان قد قدم على السلطان، وهو بمصر، الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل وأخوه الملك المظفّر صاحب سنجار، والملك المجاهد إسحاق صاحب الجزيرة، فبالغ في إكرامهم، وجهّزهم الجهاز [٥٣ أ] الذي يليق بهم. وكان قد عزم أن يبعث مع الخليفة عشرة آلاف فارس حتى يستقرّ بدار الخلافة ببغداد ويعيد له الأمر كما قد كان لآبائه ويجعل أولاد صاحب الموصل في خدمته.

فخلا أحدهم بالسلطان، وخيّله من ذلك، وأنّ

الخليفة إذا توطّد ملكه ببغداد، لا يؤمن أن ينازع السلطان في [١٥١ أ] ملكه ويخرجه من مصر.

فتوهّم من هذا القول ورجع عمّا كان قد عزم عليه، ولم يبعث مع الخليفة سوى ثلاثمائة فارس، وجرّد الأمير سيف الدين بلبان الرشيديّ، والأمير شمس الدين سنقر الروميّ إلى حلب حتّى ينزلا بمن معهما على الفرات، لينجدا الخليفة إذا استدعاهما أو أحدهما. ثمّ ركب السلطان لوداع الخليفة في ثالث عشر ذي القعدة، ومعه أولاد صاحب الموصل الثلاثة. فساروا معه إلى أثناء الطريق، ثم مضى كلّ منهم إلى مملكته.

وسار الخليفة إلى الرحبة، وفتح كثيرا من البلاد الفراتيّة. وقدم عليه الأمير علي بن حذيفة أمير آل فضل بأربعمائة من فرسان العرب. ولحق به من مماليك المواصلة نحو ستّين مملوكا. وأتاه الأمير عزّ الدين بركة من مدينة حماة في ثلاثين فارسا.

فسار من الرحبة إلى مشهد عليّ. فبلغه أنّ رجلا يدّعي أنّه من بني العبّاس قد تلقّب بالحاكم بأمر الله أحمد، واجتمع معه زهاء سبعمائة فارس من التركمان. فكتب إليه [الخليفة يستعطفه و] يستميله إليه ويعده بأن يعهد إليه، ويرغّبه في الاتّفاق واجتماع الكلمة على جهاد أعداء الله.

فمال [الحاكم] إلى قوله من أجل أنّ جماعة [التركمان] فارقوه وأقبلوا إلى الخليفة راغبين في طاعته، فاضطرّه الحال إلى القدوم من بعدهم.

فتلقّاه الخليفة وبالغ في إكرامه وأحسن نزله.

وسار بمن معه إلى الحديثة وخرج يريد هيت، وكتب إلى السلطان [الملك يعرّفه] (٣) بذلك، ويعلمه انقياد الناس إلى طاعته وإجابتهم دعوته.


(١) سراويل الفتوّة: انظر السلوك ١/ ٤٥٩ هامش ٥.
(٢) الكسوة: منزلة قرب دمشق على طريق مصر (ياقوت).
(٣) الزيادات بين مربّعين منقولة من صفحة أخرى مشطوب عليها ومرقمة ب (١٦ أ)، وكأنّها مسوّدة المسوّدة، ويبدو أنّ ناسخ السليميّة لم يأخذ بها إذا كان عرفها.

<<  <  ج: ص:  >  >>