. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَهُ الْوُجُوبُ - إلَّا أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ لِقَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ، وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ هَهُنَا.
فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ.
وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟» وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّكَّ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا فِي الْحُكْمِ، إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمُسْتَصْحَبُ عَلَى خِلَافِهِ مَوْجُودًا.
وَالْأَصْلُ: الطَّهَارَةُ فِي الْيَدِ، فَلْتُسْتَصْحَبْ [وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ] .
السَّادِسَةُ، قِيلَ: إنَّ سَبَبَ هَذَا الْأَمْرِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ الْيَدُ عَلَى الْمَحِلِّ وَهُوَ عَرِقٌ، فَتَنَجَّسَتْ.
فَإِذَا وُضِعَتْ فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ مَا يَكُونُ فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُتَوَضَّأُ مِنْهَا.
وَالْغَالِبُ عَلَيْهَا الْقِلَّةُ.
وَقِيلَ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ حَكِّ بَثْرَةٍ فِي جِسْمِهِ، أَوْ مُصَادَفَةِ حَيَوَانٍ ذِي دَمٍ فَيَقْتُلُهُ، فَيَتَعَلَّقُ دَمُهُ بِيَدِهِ.
السَّابِعَةُ: الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ: اسْتَحَبُّوا غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا، سَوَاءً قَامَ مِنْ النَّوْمِ أَمْ لَا.
وَلَهُمْ فِيهِ مَأْخَذَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ: وَارِدٌ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِسَبْقِ نَوْمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّلَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ - وَهُوَ جَوَلَان الْيَدِ مَوْجُودٌ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ.
فَيَعُمُّ الْحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ.
الثَّامِنَةُ: فَرَّقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، أَوْ مَنْ فَرَّقَ مِنْهُمْ، بَيْنَ حَالِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ.
فَقَالُوا فِي الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ: يُكْرَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا.
وَفِي غَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا، قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ.
وَلْيُعْلَمْ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا " يُسْتَحَبُّ فِعْلُ كَذَا " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " يُكْرَهُ تَرْكُهُ " فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا.
فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُسْتَحَبَّ الْفِعْلِ، وَلَا يَكُونُ مَكْرُوهَ التَّرْكِ، كَصَلَاةِ