. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
أَحَدُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهِمْ. كَانَ يُقَالُ لَهُ " الْبَحْرُ " لَسِعَةِ عِلْمِهِ. مَاتَ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَوُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: يُقَالُ " عَتَمَ اللَّيْلُ " يَعْتِمُ - بِكَسْرِ التَّاءِ - إذَا أَظْلَمَ، وَالْعَتَمَةُ: الظُّلْمَةُ وَقِيلَ: إنَّهَا اسْمٌ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ. نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْخَلِيلِ. وَقَوْلُهُ " أَعْتَمَ " أَيْ دَخَلَ فِي الْعَتَمَةِ، كَمَا يُقَالُ: أَصْبَحَ، وَأَمْسَى، وَأَظْهَرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧]- إلَى قَوْلِهِ - {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] .
الثَّانِي: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ " الْعِشَاءِ " بِالْعَتَمَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَعْتَمَ " أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ. وَالْمُرَادُ: صَلَّى فِيهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ سَمَّى الْعِشَاءَ " عَتَمَةً " وَأَصَحُّ مِنْهُ: الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ» وَمِنْهُمْ مِنْ كَرِهَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى صَلَاةُ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ. وَمُسْتَنَدُهُ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا وَإِنَّهَا الْعِشَاءُ. وَلَكِنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» أَيْ يُؤَخِّرُونَ حَلْبَهَا إلَى أَنْ يُظْلِمَ الظَّلَامُ. وَعَتَمَةُ اللَّيْلِ: ظُلْمَتُهُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَقْصُودِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: صِيغَةُ النَّهْيِ.
وَالثَّانِي: مَا فِي قَوْلِهِ " تَغْلِبَنَّكُمْ " فَإِنَّ فِيهِ تَنْفِيرًا عَنْ هَذِهِ التَّمْسِيَةِ. فَإِنَّ النُّفُوسَ تَأْنَفُ مِنْ الْغَلَبَةِ.
وَالثَّالِثُ: إضَافَةُ الصَّلَاةِ إلَيْهِمْ، فِي قَوْلِهِ " عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ " فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا: لَا تُغْلَبَنَّ عَلَى مَالِكَ: كَانَ أَشَدَّ تَنْفِيرًا مِنْ قَوْلِنَا: لَا تُغْلَبَنَّ عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى الْمَالِ؟ لِدَلَالَةِ الْإِضَافَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ. وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ: أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ، وَيَكُونُ الْأَوْلَى تَرْكُهَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَوْلَى تَرْكَ الشَّيْءِ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا. أَمَّا الْجَوَازُ: فَلَفْظُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا عَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ: فَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُهُ " لَا أُحِبُّ " - أَقْرَبُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِهِ " وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهَا الْعَتَمَةُ ". أَوْ يَقُولُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ الْغَلَبَةُ عَلَى الِاسْمِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ دَائِمًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute