. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
كَانَ بَعْدَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي إلَى الصِّحَّةِ، فَإِنْ كَانَ حَسَنًا عُمِلَ بِهِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ صَحِيحٌ أَقْوَى مِنْهُ. وَكَانَتْ مَرْتَبَتُهُ نَاقِصَةً عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، أَعْنِي الصَّحِيحَ الَّذِي لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُؤَكَّدْ اللَّفْظُ فِي طَلَبِهِ. وَمَا كَانَ ضَعِيفًا لَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الْمَوْضُوعِ، فَإِنْ أَحْدَثَ شِعَارًا فِي الدِّينِ: مُنِعَ مِنْهُ. وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ. يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالُ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ، وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ بِالْوَقْتِ أَوْ بِالْحَالِ وَالْهَيْئَةِ، وَالْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ: يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ بِخُصُوصِهِ. وَهَذَا أَقْرَبُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ.
الْأُولَى: أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ، فَشَرْطُهُ: أَنْ لَا يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مِثَالُهُ: الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ: لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ، وَلَا حَسُنَ. فَمَنْ أَرَادَ فِعْلَهَا - إدْرَاجًا لَهَا تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ - لَمْ يَسْتَقِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " نَهَى أَنْ تُخَصَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ " وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ الْعُمُومِيَّاتِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ - مِنْ جَوَازِ إدْرَاجِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ - نُرِيدُ بِهِ فِي الْفِعْلِ، لَا فِي الْحُكْمِ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَخْصُوصِ بِهَيْئَتِهِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِحْبَابِهِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ: يَحْتَاجُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَيْرَاتِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي قُلْنَا بِاحْتِمَالِهِ.
الثَّالِثُ: قَدْ مَنَعْنَا إحْدَاثَ مَا هُوَ شِعَارٌ فِي الدِّينِ. وَمِثَالُهُ: مَا أَحْدَثَتْهُ الرَّوَافِضُ مِنْ عِيدٍ ثَالِثٍ، سَمَّوْهُ عِيدَ الْغَدِيرِ. وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ وَإِقَامَةُ شِعَارِهِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، لَمْ يَثْبُتْ شَرْعًا. وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ مُرَتَّبَةً عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. فَيُرِيدُ بَعْضُ النَّاسِ: أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا أَمْرًا آخَرَ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، زَاعِمًا أَنَّهُ يُدْرِجُهُ تَحْتَ عُمُومٍ. فَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعِبَادَاتِ التَّعَبُّدُ، وَمَأْخَذُهَا التَّوْقِيفُ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ: حَيْثُ لَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ الْمُحْدَثِ أَوْ مَنْعِهِ. فَأَمَّا إذَا دَلَّ فَهُوَ أَقْوَى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute