. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الدَّلَالَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد - فِيهَا انْقِطَاعٌ - أَنَّهُ «أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ، وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ. ثُمَّ كَبَّرَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَجْوَدُ مِنْ هَاتَيْنِ «وَكَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ» وَهَذِهِ مُحْتَمَلَةٌ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: فُلَانٌ فَعَلَ: احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ شَرَعَ فِي الْفِعْلِ. وَيُحْتَمَلُ: أَنْ يُرَادَ فَرَغَ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ: جُمْلَةُ الْفِعْلِ. وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ: يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُكَبِّرٍ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مَعَ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ، ثُمَّ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ مَعَ تَمَامِ الْإِرْسَالِ. وَيُنْسَبُ هَذَا إلَى رِوَايَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُكَبِّرٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يُرْسِلُ الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيُنْسَبُ هَذَا إلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُهَا عِنْدِي مُخَالِفٌ لِمَا نُسِبَ إلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ ظَرْفًا لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ. فَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ الِافْتِتَاحَ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ التَّكْبِيرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَهُ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُكَبِّرٍ. وَإِمَّا أَنْ يَحْمِلَ الِافْتِتَاحَ عَلَى التَّكْبِيرِ كُلِّهِ. فَأَيْضًا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْفَعَ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُكَبِّرٍ.
وَقَوْلُهُ «وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» يَقْتَضِي جَمْعَ الْإِمَامِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا حَكَى وَرَوَى عَنْ حَالَةِ الْإِمَامَةِ. فَإِنَّهَا الْحَالَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهَا نَادِرٌ جِدًّا. وَإِنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْعُمُومِ دَخَلَ فِيهِ الْمُنْفَرِدُ وَالْإِمَامُ. وَقَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَيْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي إثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا.
وَقَوْلُهُ " وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " يَعْنِي الرَّفْعَ. وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السُّجُودِ، أَوْ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ. وَحَمْلُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَقْرَبُ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ السُّجُود. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ: يَرْفَعُ، لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ. وَهَذَا مُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقَاعِدَةِ. وَهُوَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى مَنْ نَفَاهَا أَوْ سَكَتَ عَنْهَا. وَاَلَّذِينَ تَرَكُوا الرَّفْعَ فِي السُّجُودِ سَلَكُوا مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ فِي السُّجُودِ، وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَةِ مَنْ أَثْبَتَ الزِّيَادَةَ وَبَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute