. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَعْنَى الْكِفَايَةِ لِأُمِّهِ، لِشُغْلِهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ: لَمْ يَصْلُحْ إلَّا فِي النَّافِلَةِ. وَهَذَا أَيْضًا عَلَيْهِ مِنْ الْإِشْكَالِ: أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِوَاءُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَعَلَّ هَذَا نَسْخٌ بِتَحْرِيمِ الْعَمَلِ وَالِاشْتِغَالِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا. وَقَدْ رُدَّ هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ عِنْدَ قُدُومِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ الْحَبَشَةِ. فَإِنَّ قُدُومَ زَيْنَبَ وَابْنَتِهَا إلَى الْمَدِينَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ النَّسْخِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَقَدْ قِيلَ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الطِّفْلِ الْبَوْلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى حَامِلِهِ. وَقَدْ يُعْصَمُ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُعْلَمُ سَلَامَتُهُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةَ حَمْلِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْخُصُوصِ فَبِالنِّسْبَةِ إلَى مُلَابَسَةِ الصَّبِيَّةِ، مَعَ احْتِمَالِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِأَمْرِ الْحَمْلِ بِخُصُوصِهِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا لَمَّا أَثْبَتَ الْخُصُوصِيَّةَ فِي الْحَمْلِ بِمَا ذَكَرَهُ - مِنْ اخْتِصَاصِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَازِ عِلْمِهِ بِعِصْمَةِ الصَّبِيَّةِ مِنْ الْبَوْلِ حَالَةَ الْحَمْلِ - تَأَنَّسَ بِذَلِكَ. فَجَعَلَهُ مَخْصُوصًا بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ أَيْضًا. فَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْأَبْوَابِ الَّتِي ظَهَرَتْ خُصُوصِيَّاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَيَقُولُونَ: خُصَّ بِكَذَا فِي هَذَا الْبَابِ. فَيَكُونُ هَذَا مَخْصُوصًا. إلَّا أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ فِي أَمْرٍ: الِاخْتِصَاصُ فِي غَيْرِهِ بِلَا دَلِيلٍ. فَلَا يَدْخُلُ الْقِيَاسُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ.
الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي قَرَّبَ دَعْوَاهُ الِاخْتِصَاصَ لِجَوَازِ الْحَمْلِ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ اخْتِصَاصِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِلْمِ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْبَوْلِ.
وَهَذَا مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِجَوَازِ مُلَابَسَتِهِ لِلصَّبِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ. وَهُوَ مَعْدُومٌ فِيمَا نَتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْحَمْلِ بِخُصُوصِهِ. فَالْقَوْلُ بِالِاخْتِصَاصِ فِيهِ قَوْلٌ بِلَا عِلَّةٍ تُنَاسِبُ الِاخْتِصَاصَ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: حَمْلُ هَذَا الْفِعْلِ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُمَامَةُ فِي تَعَلُّقِهَا بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأَنُّسِهَا بِهِ، كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِهِ بِنَفْسِهَا فَيَتْرُكُهَا فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ وَضَعَهَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute