١٠٩ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ. مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ
ــ
[إحكام الأحكام]
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ لِمَصْلَحَتِهَا. وَلَفْظَةُ " الْمُقَاتَلَةِ " مَحْمُولَةٌ عَلَى قُوَّةِ الْمَنْعِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى الْأَعْمَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِالْقِتَالِ. وَقَالَ " فَلْيُقَاتِلْهُ " عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَشْيُ مِنْ مَقَامِهِ إلَى رَدِّهِ، وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ فِي مُدَافَعَتِهِ. لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ أَشَدُّ مِنْ مُرُورِهِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ شَيْئًا أَوْ تَبَاعَدَ عَنْ السُّتْرَةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ وَرَاءَ مَوْضِعِ السُّجُودِ: لَمْ يُكْرَهْ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ: كُرِهَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُقَاتِلَهُ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِتَقْصِيرِهِ، حَيْثُ لَمْ يَقْرُبْ مِنْ السُّتْرَةِ، أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ. وَلَوْ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ " جَوَازُ التَّسَتُّرِ بِالْأَشْيَاءِ عُمُومًا: لَكَانَ فِيهِ ضَعْفٌ. لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعُمُومِ جَوَازُ الْمُقَاتَلَةِ عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ شَيْءٍ سَاتِرٍ، لَا جَوَازُ السِّتْرِ بِكُلِّ شَيْءٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ السِّتْرُ عَلَى الْأَمْرِ الْحِسِّيِّ، لَا الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَرِهَ التَّسَتُّرَ بِآدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي صُورَةِ الْمُصَلَّى إلَيْهِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إطْلَاقِ لَفْظِ " الشَّيْطَانِ " فِي مِثْلِ هَذَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute