للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ سُتْرَةٌ غَيْرُ الْجِدَارِ فَالِاسْتِدْلَالُ ظَاهِرٌ. وَإِنْ كَانَ: وَقْفُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُرُورُ وَقَعَ دُونَ السُّتْرَةِ - أَعْنِي بَيْنَ السُّتْرَةِ وَالْإِمَامِ - وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْلَال وَقَعَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ، لَكِنْ قَدْ قَالُوا: إنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ. فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا بِتَحْقِيقِ إحْدَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ، الَّتِي مِنْهَا: أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ لَيْسَتْ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا. وَعَلَى الْجُمْلَةِ: فَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُعَارِضَةٌ لِذَلِكَ فَمِنْهَا: مَا دَلَّ عَلَى انْقِطَاعِ الصَّلَاةِ بِمُرُورِ الْكَلْبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ.

وَمِنْهَا: مَا دَلَّ عَلَى انْقِطَاعِهَا بِمُرُورِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ. وَهَذَانِ صَحِيحَانِ.

وَمِنْهَا مَا دَلَّ عَلَى انْقِطَاعِهَا بِمُرُورِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْخِنْزِيرِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ.

فَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّ مُرُورَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ يَقْطَعُهَا. وَلَمْ نَجْدِ لِذَلِكَ مُعَارِضًا. قَالَ: وَفِي قَلْبِي مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ شَيْءٌ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ بِمَرَّةٍ. وَنَظَرَ إلَى الصَّحِيحِ. فَحَمَلَ مُطْلَقَ " الْكَلْبِ " فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْأَسْوَدِ، فِي بَعْضِهَا. وَلَمْ يَجِدْ لِذَلِكَ مُعَارِضًا، فَقَالَ بِهِ. وَنَظَرَ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ. فَوَجَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ - الْآتِي - يُعَارِضُ أَمْرَ الْمَرْأَةِ. وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ - هَذَا - يُعَارِضُ أَمْرَ الْحِمَارِ. فَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ - الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْهُ - أَجْوَدُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَثْرَمِ مِنْ جَزْمِ الْقَوْلِ. عَنْ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَرْأَةَ وَالْحِمَارَ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ: لِأَنَّ جَزْمَ الْقَوْلِ بِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ تَأَخُّرُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْفَسَادِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ. وَفِي ذَلِكَ عُسْرٌ عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّحْقِيقِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ مُسَاوٍ لِمَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا وَهِيَ رَاقِدَةٌ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَنَا لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَكَرَتْ أَنَّ الْبُيُوتَ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ فَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الْحُكْمِ: عَدَمُ الْمُشَاهَدَةِ لَهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَائِلًا قَالَ: إنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ وَمَشْيَهَا لَا يُسَاوِيهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>