. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَتَرْجِيحٌ آخَرُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَهُوَ أَنَّ " السَّلَامَ " مُعَرَّفٌ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مُنَكَّرٌ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالتَّعْرِيفُ أَعَمُّ. وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَرَجَّحَهُ أَصْحَابُهُ بِشُهْرَةِ هَذَا التَّعْلِيمِ، وَوُقُوعِهِ عَلَى رُءُوسِ الصَّحَابَةِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ. وَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَرَّحٌ بِهِ. وَرَفَعَ تَشَهُّدَ عُمَرَ بِطَرِيقٍ اسْتِدْلَالِيٍّ. وَقَدْ رُجِّحَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ لِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ. وَهُوَ قَوْلُهُ " كَانَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ " وَهَذَا تَرْجِيحٌ مُشْتَرَكٌ. لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا وَرَدَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. وَرُجِّحَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً " الْمُبَارَكَات " وَبِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: ٦١] . " وَالتَّحِيَّاتُ " جَمْعُ التَّحِيَّةِ. وَهِيَ الْمُلْكُ. وَقِيلَ: السَّلَامُ. وَقِيلَ: الْعَظَمَةُ. وَقِيلَ: الْبَقَاءُ. فَإِذَا حُمِلَ عَلَى " السَّلَامِ " فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: التَّحِيَّاتُ الَّتِي تُعَظَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ - مَثَلًا - مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى " الْبَقَاءِ " فَلَا شَكَّ فِي اخْتِصَاصِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ. وَإِذَا حُمِلَ عَلَى " الْمُلْكِ وَالْعَظَمَةِ " فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: الْمُلْكَ الْحَقِيقِيَّ التَّامَّ لِلَّهِ. وَالْعَظَمَةَ الْكَامِلَةَ لِلَّهِ. لِأَنَّ مَا سِوَى مُلْكِهِ وَعَظَمَتِهِ تَعَالَى فَهُوَ نَاقِصٌ. " وَالصَّلَوَاتُ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْمَعْهُودَةُ. وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا غَيْرُهُ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ إخْلَاصِنَا الصَّلَوَاتِ لَهُ، أَيْ إنَّ صَلَوَاتِنَا مُخْلَصَةٌ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالصَّلَوَاتِ: الرَّحْمَةُ. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ " لِلَّهِ " أَيْ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَالْمُعْطِي: هُوَ اللَّهُ. لِأَنَّ الرَّحْمَةَ التَّامَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا لِغَيْرِهِ. وَقَرَّرَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا فَصْلًا. بِأَنْ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمَ أَحَدًا فَرَحْمَتُهُ لَهُ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الرِّقَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute