١٤٥ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَالَ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْعِيدِ. فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ. ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ. فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ، سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لِأَنَّكُنَّ
ــ
[إحكام الأحكام]
صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَعَيَّنُ وَقْتُهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا لَمْ يُعَلَّقْ فِيهِ الْحُكْمُ بِلَفْظٍ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، حَتَّى يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ الْبَحْثُ) إلَّا أَنَّهُ إنْ جَرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِهِ: اقْتَضَى أَنَّهُ لَا تَجْزِي الْأُضْحِيَّةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ أَصْلًا.
فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْخُرُوجُ عَنْ الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الظَّاهِرِ فِي مَحِلِّ الْبَحْثِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى " إحْدَى طَائِفَتَيْنِ: إمَّا مَنْ يَرَى الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةً. وَإِمَّا مَنْ يَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ لَفْظٍ فِي التَّعْيِينِ.
وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُعَيَّنَ لِلْأُضْحِيَّةِ مِنْ صِيغَةِ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِهَا: قَلِيلٌ نَادِرٌ، وَصِيغَةُ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ «مَنْ ذَبَحَ» صِيغَةُ عُمُومٍ وَاسْتِغْرَاقٍ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ. فَقَدْ ذُكِرَتْ لِتَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ وَتَمْهِيدِ أَصْلٍ، وَتَنْزِيلُ صِيَغِ الْعُمُومِ الَّتِي تَرِدُ لِتَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ عَلَى الصُّورَةِ النَّادِرَةِ أَمْرٌ مُسْتَكْرَهٌ، عَلَى مَا قُرِّرَ مِنْ قَوَاعِدِ التَّأْوِيلِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَهُوَ اسْتِبْعَادُ حَمْلِهِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ - يَبْقَى التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَنْ سَبَقَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ بِغَيْرِ اللَّفْظِ، أَوْ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ تَعْيِينٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute