١٥٥ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَكَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ:
ــ
[إحكام الأحكام]
الْمَعْنَى. لِأَنَّهَا إذَا قَضَتْ وَتَوَجَّهَتْ إلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ، تَوَجَّهَتْ فَارِغَةً مِنْ الشُّغْلِ بِالصَّلَاةِ. فَيَتَوَفَّرُ مَقْصُودُ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَهُوَ الْحِرَاسَةُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو حَنِيفَةَ: بِتَوَجُّهِ الطَّائِفَةِ لِلْحِرَاسَةِ، مَعَ كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَتَوَفَّرُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِرَاسَةِ. فَرُبَّمَا أَدَّى الْحَالُ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي الصَّلَاةِ الضَّرْبُ وَالطَّعْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ. وَلَيْسَ بِمَحْذُورٍ. وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَيْضًا: أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تُتِمُّ لِأَنْفُسِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَفِيهِ مَا فِي الْأَوَّلِ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا: أَنَّهُ يَثْبُتُ حَتَّى تُتِمَّ لِأَنْفُسِهَا وَتُسَلِّمَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ، وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ سَلَامِهِ.
وَرُبَّمَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْتَظِرُهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: ١٠٢] أَيْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ الَّتِي بَقِيَتْ لِلْإِمَامِ.
فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ بِهِمْ فَقَدْ صَلُّوا مَعَهُ الْبَقِيَّةَ وَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَهُمْ فَلَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ الْبَقِيَّةَ. لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ الْبَقِيَّةِ. وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ الظُّهُورِ. وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الرَّاوِي مَنْ يَرَى أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَالَ " فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ " فَجَعَلَهُمْ مُصَلِّينَ مَعَهُ لِمَا يُسَمَّى رَكْعَةً.
ثُمَّ أَتَى بِلَفْظَةٍ «ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» فَجَعَلَ مُسَمَّى " السَّلَامِ " مُتَرَاخِيًا عَنْ مُسَمَّى " الرَّكْعَةِ " إلَّا أَنَّهُ ظَاهِرٌ ضَعِيفٌ.
وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ. وَالْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ مُتَعَيَّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute