للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ» طَاعَتُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَأَمَّا طَاعَتُهُمْ فِي الصَّلَاةِ: فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إقْرَارُهُمْ بِوُجُوبِهَا وَفَرْضِيَّتِهَا عَلَيْهِمْ، وَالْتِزَامُهُمْ لَهَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الطَّاعَةُ بِالْفِعْلِ، وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ.

وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْفَرِيضَةِ. فَتَعُودُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَيْهَا. وَيَتَرَجَّحُ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ لَوْ أَخْبَرُوا بِالْوُجُوبِ. فَبَادَرُوا بِالِامْتِثَالِ بِالْفِعْلِ لَكَفَى. وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَلَفُّظُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الزَّكَاةِ: لَوْ امْتَثَلُوا بِأَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِالْإِقْرَارِ لَكَفَى. فَالشَّرْطُ عَدَمُ الْإِنْكَارِ، وَالْإِذْعَانُ لِلْوُجُوبِ، لَا التَّلَفُّظُ بِالْإِقْرَارِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَقْلِ الزَّكَاةِ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ. وَفِيهِ عِنْدِي ضَعِيفٌ. لِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْمُرَادَ: يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَكَذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ احْتِمَالًا قَوِيًّا. وَيُقَوِّيهِ: أَنَّ أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ لَا تُعْتَبَرُ. وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ بِخِطَابِهِمْ فِي الصَّلَاةِ. وَلَا يَخْتَصُّ بِهِمْ قَطْعًا - أَعْنِي الْحُكْمَ - وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ.

وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ غَنِيًّا. وَقَابَلَهُ بِالْفَقِيرِ. وَمَنْ مَلَكَ النِّصَابَ فَالزَّكَاةُ مِنْهُ، فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالْغَنِيُّ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْحَدِيثِ. وَلَيْسَ بِالشَّدِيدِ الْقُوَّةِ. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَرَى إخْرَاجَ الزَّكَاةِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الْفُقَرَاءَ. وَفِيهِ بَحْثٌ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ. لِأَنَّهُ وَصَفَ الزَّكَاةَ بِكَوْنِهَا " مَأْخُوذَةً مِنْ الْأَغْنِيَاءِ " فَكُلُّ مَا اقْتَضَى خِلَافَ هَذِهِ الصِّفَةِ فَالْحَدِيثُ يَنْفِيهِ. وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ كَرَائِمَ الْأَمْوَالِ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الصَّدَقَةِ، كَالْأَكُولَةِ وَالرُّبَّى وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا. وَالْمَاخِضُ، وَهِيَ الْحَامِلِ. وَفَحْلِ الْغَنَمِ، وَحَزَرَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>