للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " لَا هِجْرَةَ " نَفْيٌ لِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ. فَإِنَّ " الْهِجْرَةَ " تَجِبُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ بِالْفَتْحِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. فَيَكُونُ حُكْمًا وَرَدَ لِرَفْعِ وُجُوبِ هِجْرَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَجِبُ الْهِجْرَةُ الْيَوْمَ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.

وَفِي ضِمْنِ الْحَدِيثِ: الْإِخْبَارُ بِأَنَّ مَكَّةَ تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ أَبَدًا.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، " وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا " أَيْ إذَا طُلِبْتُمْ لِلْجِهَادِ فَأَجِيبُوا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الْجِهَادِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ بَعْضَ النَّاسِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ عُيِّنَ لِلْجِهَادِ. وَيُؤْخَذُ غَيْرُهُ بِالْقِيَاسِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِهَادًا مَعَ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ إذْ غَيْرُ الْخَالِصَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. فَهِيَ كَالْعَدَمِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا فِي صِحَّةِ الْأَعْمَالِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ: وَلَكِنْ جِهَادٌ بِالْفِعْلِ، أَوْ نِيَّةُ الْجِهَادِ لِمَنْ يَفْعَلُ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ. مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» تَكَلَّمُوا فِيهِ، مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» فَقِيلَ بِظَاهِرِ هَذَا، وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ أَظْهَرَ حُرْمَتُهَا بَعْدَ مَا نُسِيَتْ. وَالْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَقِيلَ: إنَّ التَّحْرِيمَ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ، وَحُرْمَتُهَا يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ: كِتَابَتُهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ غَيْرِهِ: حَرَامًا. وَأَمَّا الظُّهُورُ لِلنَّاسِ: فَفِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَقَوْلُهُ " فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ الْقِتَالُ " يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ يَتَنَاوَلُ الْقِتَالَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لَا يُنْسَخُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ أَوْ إبَاحَتِهِ.

وَقَوْلُهُ " لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الشَّوْكِ مُمْتَنِعٌ كَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مُصَنِّفِي الشَّافِعِيَّةِ. وَالْحَدِيثُ مَعَهُ. وَأَبَاحَهُ غَيْرُهُ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّوْكَ مُؤْذٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>