. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
الْفَوَاسِقِ بِالْقَتْلِ. وَرُبَّمَا أَشْعَرَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهَا وَبِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. وَأَمَّا مَعَ التَّنْوِينِ: فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وَصْفَ الْخَمْسِ بِالْفِسْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ - وَهُوَ الْقَتْلُ - مُعَلَّلٌ بِمَا جُعِلَ وَصْفًا، وَهُوَ الْفِسْقُ. فَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّعْمِيمَ لِكُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ضِدُّ مَا اقْتَضَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَفْهُومِ. وَهُوَ التَّخْصِيصُ.
الثَّانِي: الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ: أَنَّ الْغُرَابَ يُرْمَى وَلَا يُقْتَلُ.
الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ، أَوْ التَّعْدِيَةِ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا بِالْمَعْنَى. فَقِيلَ: بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْحَقَ الذِّئْبَ بِهَا. وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُنَاقَضَاتِهِ، وَاَلَّذِي قَالُوا بِالتَّعْدِيَةِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ التَّعْدِيَةُ. فَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّارِحِينَ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: الْمَعْنَى فِي جَوَازِ قَتْلِهِنَّ: كَوْنُهُنَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ، فَكُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ قَتْلُهُ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُنَّ مُؤْذِيَاتٍ، فَكُلُّ مُؤْذٍ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ، وَمَا لَا فَلَا.
وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ غَيْرُ جَوَازِ الِاصْطِيَادِ، وَإِنَّمَا يَرَى الشَّافِعِيُّ جَوَازَ الِاصْطِيَادِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ: فَغَيْرُ هَذَا، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرُدُّونَ هَذَا بِظُهُورِ الْمَعْنَى فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْخَمْسِ، وَهُوَ الْأَذَى الطَّبِيعِيُّ، وَالْعُدْوَانُ الْمُرَكَّبُ فِي هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ، وَالْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَدَّى الْقَائِسُونَ إلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمَ، كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي بَابِ الرِّبَا، وَقَدْ وَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى التَّعْدِيَةِ فِيهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يُعَدَّى بِهِ.
وَأَقُولُ: الْمَذْكُورُ ثَمَّ: هُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَلْقَابِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَالتَّعْدِيَةُ لَا تُنَافِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْمَذْكُورُ هَهُنَا مَفْهُومُ عَدَدٍ، وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ لِلتَّخْصِيصِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى عَوَّلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْخَمْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute