للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

تَسْتَدْبِرُوهَا " وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ مَذْهَبًا مُوَاجِهَ الْقِبْلَةَ " قَالَ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِي الصَّحْرَاءِ، إنَّ لِلَّهِ خَلْقًا مِنْ عِبَادِهِ يُصَلُّونَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوهُمْ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهُمْ وَأَمَّا بُيُوتُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَتَّخِذُونَهَا لِلنَّتِنِ فَإِنَّهُ لَا قِبْلَةَ لَهَا.

وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَنَّ عِيسَى هَذَا ضَعِيفٌ. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَاسْتَتَرَ بِشَيْءٍ: هَلْ يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَمْ لَا؟ فَالتَّعْلِيلُ بِاحْتِرَامِ الْقِبْلَةِ: يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَالتَّعْلِيلُ بِرُؤْيَةِ الْمُصَلِّينَ: يَقْتَضِي الْجَوَازَ.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا أَتَيْتُمْ الْخَلَاءَ، فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ - الْحَدِيثُ " يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَمْنُوعٌ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْمَنْعِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَنْ الْعِلَّةِ. وَالْكَلَامُ الْآنَ عَلَى مَحِلِّ الْعِلَّةِ.

فَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ اسْتِقْبَالِهَا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ تَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: خُرُوجُ الْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ.

وَالثَّانِي: كَشْفُ الْعَوْرَةِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمَنْعُ لِلْخَارِجِ، لِمُنَاسِبَتِهِ لِتَعْظِيمِ الْقِبْلَةِ عَنْهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَنْعُ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: خِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، فَمَنْ عَلَّلَ بِالْخَارِجِ أَبَاحَهُ، إذْ لَا خَارِجَ. وَمَنْ عَلَّلَ بِالْعَوْرَةِ مَنَعَهُ.

السَّادِسُ: " الْغَائِطُ " فِي الْأَصْلِ: هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ، كَانُوا يَقْصِدُونَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْخَارِجِ. وَغَلَبَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْوَضْعِيَّةِ، فَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.

وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ " الْغَائِطِ " لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَوْلِ، لِتَفْرِقَتِهِ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] هَلْ يَتَنَاوَلُ الرِّيحَ مَثَلًا، أَوْ الْبَوْلَ أَوْ لَا؟ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُخَصَّصُ لَفْظُ " الْغَائِطِ " لِمَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُقْصَدَ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَقْصِدُونَ الْغَائِطَ لِلرِّيحِ مَثَلًا.

أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا كَانَ يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِهِمْ الْغَائِطَ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ كَيْفَ كَانَ.

وَالسَّابِعُ: قَوْلُهُ " وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا " مَحْمُولٌ عَلَى مَحِلٍّ يَكُونُ التَّشْرِيقُ وَالتَّغْرِيبُ فِيهِ مُخَالِفًا لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا، كَالْمَدِينَةِ الَّتِي هِيَ مَسْكَنُ رَسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>