٢٢٩ - الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» .
ــ
[إحكام الأحكام]
الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ رَاجِحًا بِالنَّظَرِ إلَى مَحِلِّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ. فَإِذَا عَارَضَهُ أَمْرٌ آخَرُ أَرْجَحُ مِنْهُ: قُدِّمَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُولَ الْفَضِيلَةُ الْأُولَى، حَتَّى إذَا زَالَ ذَلِكَ الْمُعَارَض الرَّاجِحُ: عَادَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ. وَهَذَا إنَّمَا يَقْوَى إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ بِقَرَائِنَ وَمُنَاسَبَاتٍ. وَقَدْ يَضْعُفُ، وَقَدْ يَقْوَى بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ. وَهَهُنَا يَصْطَدِمُ الظَّاهِرُ مَعَ الْمُتَّبِعِينَ لِلْمَعَانِي.
١ -
وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤْمَنُ بَوْلُ الْبَعِيرِ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يُعَرِّضْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ لِلنَّجَاسَةِ. وَقَدْ مُنِعَ لِتَعْظِيمِ الْمَسَاجِدِ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِلَامِ بِالْمِحْجَنِ، إذَا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِتَقْبِيلِهِ.
اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ تُعِمُّ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا بِالِاسْتِلَامِ، أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ. وَهُوَ اخْتِصَاصُ الِاسْتِلَامِ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. وَعِلَّتُهُ: أَنَّهُمَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ فَاسْتَقْصَرَا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ. كَذَا ظَنَّ ابْنُ عُمَرَ. وَهُوَ تَعْلِيلٌ مُنَاسِبٌ. وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَيَقُولُ " لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا " وَاتِّبَاعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَوْلَى. فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعِبَادَاتِ: الِاتِّبَاعُ، لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ التَّخْصِيصُ مَعَ تَوَهُّمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ. وَهُنَا أَمْرٌ زَائِدٌ. وَهُوَ إظْهَارُ مَعْنًى لِلتَّخْصِيصِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا تُرِكَ فِيهِ الِاسْتِلَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute