٢٨٥ - الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ،
ــ
[إحكام الأحكام]
عَلَى مَا كَانَ أَكَابِرُ السَّلَفِ وَالصَّالِحِينَ عَلَيْهِ، مِنْ إخْرَاجِ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَانْظُرْ إلَى تَعْلِيلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَقْصُودِهِ، بِكَوْنِهِ " لَمْ يُصِبْ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدَهُ مِنْهُ ". وَقَوْلُهُ " تَصَدَّقْتَ بِهَا " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْأَصْلِ الْمُحْبَسِ. وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّحْبِيسِ، الَّتِي مِنْهَا " الصَّدَقَةُ " وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُقْتَرَنُ بِهَا، يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْوَقْفِ وَالتَّحْبِيسِ، كَالتَّحْبِيسِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَكَقَوْلِنَا مُؤَبَّدَةً " مُحَرَّمَةً " أَوْ " لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَتَصَدَّقْتَ بِهَا " رَاجَعَا إلَى الثَّمَرَةِ، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَيَبْقَى لَفْظُ " الصَّدَقَةِ " عَلَى إطْلَاقِهِ. وَقَوْلُهُ فَتَصَدَّقْ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ. .. إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ - مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ - عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ لِلْوَقْفِ، مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقْفٌ، وَيُحْتَمَلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إرْشَادًا إلَى شَرْطِ هَذَا الْأَمْرِ فِي هَذَا الْوَقْفِ. فَيَكُونَ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْطِ، لَا بِالشَّرْعِ وَالْمَصَارِفُ الَّتِي ذَكَرهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَصَارِفُ خَيْرَاتٍ، وَهِيَ جِهَةُ الْأَوْقَافِ. فَلَا يُوقَفُ عَلَى مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ. وَالْقُرْبَى " يُرَادُ بِهَا هَهُنَا: قُرْبَى عُمَرَ ظَاهِرًا، وَالرِّقَابُ " قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا مَعْلُومًا عِنْدَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِلَّا كَانَ الْمَصْرِفُ مَجْهُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا. و " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " الْجِهَادُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمِنْهُمْ مِنْ عَدَّهُ إلَى الْحَجِّ. وَ " ابْنِ السَّبِيلِ " الْمُسَافِرُ، وَالْقَرِينَةُ تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ حَاجَتِهِ. " وَالضَّيْفُ " مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، وَالْمُرَادُ: قِرَاهُ، وَلَا تَقْتَضِي الْقَرِينَةُ تَخْصِيصَهُ بِالْفَقْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشُّرُوطِ فِي الْوَقْفِ، وَاتِّبَاعِهَا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي بَعْضِهَا، حَيْثُ عَلَّقَ الْأَكْلَ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ. وَقَوْلُهُ " غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ " أَيْ: مُتَّخِذٍ أَصْلَ مَالٍ، يُقَالُ: تَأَثَّلْتُ الْمَالَ: اتَّخَذْتُهُ أَصْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute