٣٢٥ - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَاعَنَا، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ
ــ
[إحكام الأحكام]
وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَيْضًا: الْبُدَاءَةَ بِالرَّجُلِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: ٨] فَإِنَّ " الدَّرْءَ " يَقْتَضِي وُجُوبَ سَبَبِ الْعَذَابِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَاخْتُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ " الْغَضَبِ " لِعِظَمِ الذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَلْوِيثِ الْفِرَاشِ، وَالتَّعَرُّضِ لِإِلْحَاقِ مَنْ لَيْسَ مِنْ الزَّوْجِ بِهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ، كَانْتِشَارِ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْإِنَاثِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ بِالتَّوَارُثِ. فَلَا جَرَمَ خُصَّتْ بِلَفْظَةِ " الْغَضَبِ " الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنْ " اللَّعْنَةِ " وَلِذَلِكَ قَالُوا: لَوْ أَبْدَلَتْ الْمَرْأَةُ الْغَضَبَ بِاللَّعْنَةِ: لَمْ يُكْتَفَ بِهِ. أَمَّا لَوْ أَبْدَلَ الرَّجُلُ اللَّعْنَةَ بِالْغَضَبِ: فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ النَّصِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَعَرْضِ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُذْنِبِينَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ رَجَعَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ: كَانَ تَوْبَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْشَدَ إلَى التَّوْبَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ: وُقُوعُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ " لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ " لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " رَاجِعًا إلَى الْمَالِ.
وَقَوْلُهُ " إنْ كُنْتَ صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا " دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ، وَعَلَى اسْتِقْرَارِ مَهْرِ الْمُلَاعَنَةِ. أَمَّا هَذَا: فَبِالنَّصِّ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَبِتَعْلِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ " بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وَلَوْ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا، لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute