للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

فِيمَا مَضَى، وَشَرَطَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ الْأَنْسَابَ قَدْ تَتَرَاخَى فِيهَا مَدَدُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَيَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ بِحَقِيقَتِهَا، وَقَدْ يَقَعُ اخْتِلَالٌ فِي النَّسَبِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ، وَلَا يُشْعَرُ بِهِ. فَشَرَطَ الْعِلْمَ لِذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ " إلَّا كَفَرَ " مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى تَأْوِيلِهِ، وَقَدْ يُؤَوَّلُ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ، أَوْ بِأَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ " كُفْرٌ " لِأَنَّهُ قَارَبَ الْكُفْرَ، لِعِظَمِ الذَّنْبِ فِيهِ، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا قَارَبَهُ، أَوْ يُقَالُ: بِتَأْوِيلِهِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ.

١ -

وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " مَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ " يَدْخُلُ فِيهِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةُ كُلُّهَا وَمِنْهَا: دَعْوَى الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَدْ جَعَلَ الْوَعِيدَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ

؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ " فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " اقْتَضَى ذَلِكَ تَعْيِينَ دُخُولِهِ النَّارَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْأَوْصَافِ فَقَطْ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ.

وَأَقُولُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الدَّعَاوَى، مِنْ نَصْبِ مُسَخَّرٍ يَدَّعِي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، حِفْظًا لِرَسْمِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ، وَهَذَا الْمُسَخَّرُ يَدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَالْقَاضِي الَّذِي يُقِيمُهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَيْسَ حِفْظُ هَذِهِ الْقَوَانِينِ مِنْ الْمَنْصُوصَاتِ فِي الشَّرْعِ، حَتَّى يَخُصَّ بِهَا هَذَا الْعُمُومَ، وَالْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ فِي الْقَضَاءِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ، فَانْخِرَامُ هَذِهِ الْمَرَاسِمِ الْحُكْمِيَّةِ، مَعَ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْقَضَاءِ، وَعَدَمِ تَنْصِيصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى وُجُوبِهَا - أَوْلَى مِنْ مُخَالِفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالدُّخُولِ تَحْتَ الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ

أَعْنِي عَدَمَ التَّشْدِيدِ فِي هَذِهِ الْمَرَاسِيمِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَلَيْسَ مِنَّا " أَخَفُّ مِمَّا مَضَى فِيمَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ فِي الْمَفْسَدَةِ مِنْ الْأُولَى، إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّعْوَى بِأَخْذِ الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَثَلًا، وَقَدْ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةُ فِي الْعُلُومِ إذَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا مَفَاسِدُ.

وَقَوْلُهُ " فَلَيْسَ مِنَّا " قَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ مِثْلَنَا، فِرَارًا مِنْ الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْأَبُ لِوَلَدِهِ - إذَا أَنْكَرَ مِنْهُ أَخْلَاقًا أَوْ أَعْمَالًا -: لَسْت مِنِّي، وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَفْيِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ ثَمَرَتِهِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُسَاوِيًا لِلْأَبِ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>