. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
لِمُخَالِفَتِهِ الْمُتَوَاتَرَ، لَا لِمُخَالِفَتِهِ الْإِجْمَاعَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: لَا يَكْفُرُ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَنْ يَدَّعِي الْحِذْقَ فِي الْمَعْقُولَاتِ، وَيَمِيلُ إلَى الْفَلْسَفَةِ فَظَنَّ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ مِنْ قَبِيلِ مُخَالِفَةِ الْإِجْمَاعِ. وَأَخَذَ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ " إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ ": أَنْ لَا يُكَفَّرَ هَذَا الْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ بِالْمَرَّةِ، إمَّا عَنْ عَمًى فِي الْبَصِيرَةِ، أَوْ تَعَامٍ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَالتَّوَاتُرُ بِالنَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ. فَيَكْفُرُ الْمُخَالِفُ بِسَبَبِ مُخَالِفَتِهِ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ لَا بِسَبَبِ مُخَالِفَتِهِ الْإِجْمَاعَ.
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا، فَإِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ - أَعْنِي: زِنَا الْمُحْصَنِ، وَقَتْلَ النَّفْسِ، وَالرِّدَّةَ - وَقَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَةَ الدَّمِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِلَفْظِ النَّفْيِ الْعَامِّ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ شَيْخُ وَالِدِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ فِي أَبْيَاتِهِ الَّتِي نَظَمَهَا فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ. أَنْشَدَنَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي أَبُو مُوسَى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمِهْرَانِيُّ قَدِيمًا، قَالَ أَنْشَدَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ لِنَفْسِهِ:
خَسِرَ الَّذِي تَرَكَ الصَّلَاةَ وَخَابَا ... وَأَبَى مَعَادًا صَالِحًا وَمَآبَا
إنْ كَانَ يَجْحَدُهَا فَحَسْبُكَ أَنَّهُ ... أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِرًا مُرْتَابَا
أَوْ كَانَ يَتْرُكُهَا لِنَوْعِ تَكَاسُلٍ ... غَطَّى عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ حِجَابَا
فَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَأَيَا لَهُ ... إنْ لَمْ يَتُبْ حَدَّ الْحُسَامِ عِقَابَا
وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ يُتْرَكُ مَرَّةً ... هَمْلًا وَيُحْبَسُ مَرَّةً إيجَابَا
وَالظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِهِ ... تَعْزِيرُهُ زَجْرًا لَهُ وَعِقَابَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute