للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥١ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ

ــ

[إحكام الأحكام]

وَقَدْ يَنْطَلِقُ " كِتَابُ اللَّهِ " عَلَى حُكْمِ اللَّهِ مُطْلَقًا. وَالْأَوْلَى: حَمْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ التَّغْرِيبَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ، إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَأَتْبَاعِهِ. وَفِي قَوْلِهِ " وَأْذَنْ لِي " حُسْنُ الْأَدَبِ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِلْأَكَابِرِ. وَقَوْلُهُ " كَانَ عَسِيفًا " أَيْ أَجِيرًا. وَقَوْلُهُ " فَافْتَدَيْت مِنْهُ " أَيْ مِنْ الرَّجْمِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ التَّغْرِيبِ مَعَ الْجَلْدِ، وَالْحَنَفِيَّةُ يُخَالِفُونَ فِيهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ جَائِزٍ وَغَيْرُهُمْ يُخَالِفُهُمْ فِي تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَالْمَسْأَلَةُ مُقَرَّرَةٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَفِي قَوْلِهِ " فَسَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ " دَلِيلٌ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْعُلَمَاءِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَحْكَامِ وَالشَّكِّ فِيهَا، وَدَلِيلٌ عَلَى الْفَتْوَى فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلٌ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَالْحُكْمِ بِالْأَصْلِ فِي اسْتِمْرَارِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ زَوَالُهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّسْخِ. وَقَوْلُهُ " رَدٌّ عَلَيْك " أَيْ مَرْدُودٌ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أُخِذَ بِالْمُعَارَضَةِ الْفَاسِدَةِ يَجِبُ رَدُّهُ وَلَا يُمَلَّكُ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ عُذْرِ مَنْ اعْتَذَرَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَهُ بِأَنَّ الْمُتَعَاوِضَيْنِ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ لَيْسَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُعَارِضَةِ الْفَاسِدَةِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فِي مَحِلِّ الِاسْتِفْتَاءِ يُسَامَحُ بِهِ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَذَفَ الْمَرْأَةَ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ حَدِّهِ بِالْقَذْفِ وَأَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِحُكْمِ الرَّجْمِ، وَفِيهِ اسْتِنَابَةُ الْإِمَامِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً يَكْفِي فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ رَتَّبَ رَجْمَهَا عَلَى مُجَرَّدِ اعْتِرَافِهَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَرِّفْهُ أُنَيْسًا، وَلَا أَمَرَهُ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>