بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ
٣٥٨ - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ
ــ
[إحكام الأحكام]
مَسْأَلَةِ الْجُحُودِ قَلِيلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْجُحُودِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ " أَنَّهَا كَانَتْ جَاحِدَةً " عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى " أَنَّهَا كَانَتْ سَارِقَةً ".
وَأَظْهَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ النَّكِيرَ وَالتَّعَجُّبَ مِمَّنْ أَوَّلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ - الَّذِي رُوِيَ فِعْلًا - بِأَنْ اعْتَمَدَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ قَوْلًا فَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ مُخْتَلِفًا، فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ حِينَئِذٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ فِعْلًا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ.
وَالثَّانِي: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلًا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَأْوِيلُ احْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي التَّقْوِيمِ، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِدًا، فَفِيهِ مِنْ الْكَلَامِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ الْآنَ، إلَّا أَنَّهُ هَهُنَا قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّاوِي، إذَا كَانَ سَمِعَهُ لِرِوَايَةِ الْفِعْلِ أَنْ يُغَيِّرَهُ إلَى رِوَايَةِ الْقَوْلِ، فَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَا اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُمَا وَاحِدًا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ السُّلْطَانَ، وَفِيهِ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْمُحَابَاةِ لِلْأَشْرَافِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَفْظَةُ " إنَّمَا " هَهُنَا دَالَّةٌ عَلَى الْحَصْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَصْرِ الْمُطْلَقِ مَعَ احْتِمَالِ ذَلِكَ فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِّ الْمَخْصُوصِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ هَذَا الْمَخْرَجَ، مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ أَمْرٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ، وَقَدْ شَدَّدَ جَمَاعَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمَرَاتِبُهُ فِي الْقُبْحِ مُخْتَلِفَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute