. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
حُكْمَ أَصْلِهَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُثَارِ الشُّبُهَاتِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ " أَصْلٌ فِي الْوَرَعِ وَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَصَنَّفُوا فِيهَا تَصَانِيفَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ سَلَكَ طَرِيقًا فِي الْوَرَعِ فَخَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِهِ وَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ مُبَاحًا - وَالْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ - فَلَا وَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَعَ تَرْجِيحٌ لِجَانِبِ التَّرْكِ وَالتَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَعَ التَّسَاوِي مُحَالٌ، وَجَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ تَصْنِيفًا. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا عِنْدِي مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ طَرَفَاهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُبَاحِ الْمُتَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ فَهَذَا الَّذِي رَدَّدَ فِيهِ الْقَوْلَ. وَقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَهُوَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ يَمْنَعُهُ إذَا حَمَلْنَا الْمُبَاحَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمُبَاحَ قَدْ صَارَ مُنْطَلِقًا عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ، فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى التَّسَاوِي، إذْ الدَّالُّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْخَاصِّ بِعَيْنِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، رَاجِحًا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ وَلَا يَتَنَاقَضُ حِينَئِذٍ الْحُكْمَانِ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ: فَلَا يَخْلُو هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ هَذَا الْمُشْتَبَهِ مُوجِبًا لِضَرَرٍ مَا فِي الْآخِرَةِ، وَإِلَّا فَيَعْسُرُ تَرْجِيحُ تَرْكِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَرْكَهُ مُحَصِّلٌ لِثَوَابٍ أَوْ زِيَادَةِ دَرَجَاتٍ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا يُفْهَمُ مِنْ أَفْعَالِ الْوَرِعِينَ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ تَحَرُّجًا وَتَخَوُّفًا، وَبِهِ يُشْعِرُ لَفْظُ الْحَدِيثِ.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ عَدَمَ التَّحَرُّزِ مِمَّا يُشْتَبَهُ: أَثَّرَ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً فِي نَفْسِهِ، تُوقِعُهُ فِي الْحَرَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ: وَقَعَ فِي الْحَرَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمُنِعَ مِنْ تَعَاطِي الشُّبُهَاتِ لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute