٣٨٤ - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ: وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ، وَرُبَّمَا قَالَ: وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا» .
ــ
[إحكام الأحكام]
مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ بِذِكْرِ النِّعَمِ، عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ النَّحْلِ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِامْتِنَانَ بِنِعْمَةِ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَتَرَكَ الِامْتِنَانَ بِنِعْمَةِ الْأَكْلِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْأَنْعَامِ، وَلَوْ كَانَ الْأَكْلُ ثَابِتًا لَمَا تَرَكَ الِامْتِنَانَ بِهِ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْأَكْلِ فِي جِنْسِهَا فَوْقَ نِعْمَةِ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْبَقَاءُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَلَا يَحْسُنُ تَرْكُ الِامْتِنَانِ بِأَعْلَى النِّعْمَتَيْنِ وَذِكْرُ الِامْتِنَانِ بِأَدْنَاهُمَا، فَدَلَّ تَرْكُ الِامْتِنَانِ بِالْأَكْلِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ذُكِرَتْ نِعْمَةُ الْأَكْلِ فِي نَظَائِرِهَا مِنْ الْأَنْعَامِ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ اسْتِدْلَالًا حَسَنًا - إلَّا أَنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَرْجِيحُ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ حَيْثُ قُوَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الدَّلَالَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يُطَالَبَ بِوَجْهِ الدَّلَالَةِ عَلَى عَيْنِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّمَا يُشْعِرُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ، وَتَرْكُ الْأَكْلِ: أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَتْرُوكًا عَلَى سَبِيلِ الْحُرْمَةِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَلَى جَوَازِ النَّحْرِ لِلْخَيْلِ.
وَقَوْلُهُ " وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ " يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَرَى تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، لِظَاهِرِ النَّهْيِ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِالْكَرَاهَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute