للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ، وَمَا حَاسَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاَلَّذِي أَعْطَانَا، وَلَا عَابَ عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا بِنَفَلِهِ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَرَوَى زِيَادُ بْنُ جَارِيَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الرُّبُعَ فِي الْبَدْأَةِ، وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنْ التَّنْفِيلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ ظَاهِرًا مَعَ احْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ، وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ حَبِيبٍ هَذَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ إذَا قَفَلَ» ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ: يُنَفِّلُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، أَيْ يُنَفِّلُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ مَا يَأْتُونَ بِهِ رِدْءَ الْغَنِيمَةِ إلَى مَوْضِعٍ فِي الْبَدْأَةِ، أَوْ فِي الرَّجْعَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَيْهِ " بَابَ فِيمَنْ قَالَ: الْخُمُسُ قَبْلَ النَّفَلِ "، وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " بَعْدَ الْخُمُسِ " أَيْ بَعْدَ أَنْ يُفْرِدَ الْخُمُسَ، فَعَلَى هَذَا: يَبْقَى مُحْتَمِلًا لَأَنْ يُنَفِّلَ ذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ الْخُمُسِ احْتِمَالًا، وَحَدِيثُ ابْنِ إِسْحَاقَ صَرِيحٌ، أَوْ كَالصَّرِيحِ.

وَلِلْحَدِيثِ تَعَلُّقٌ بِمَسَائِلِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ، وَمَا يَضُرُّ مِنْ الْمَقَاصِدِ الدَّاخِلَةِ فِيهَا، وَمَا لَا يَضُرُّ، وَهُوَ مَوْضِعٌ دَقِيقُ الْمَأْخَذِ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهِ: أَنَّ التَّنْفِيلَ لِلتَّرْغِيبِ فِي زِيَادَةِ الْعَمَلِ، وَالْمُخَاطَرَةِ وَالْمُجَاهِدَةِ، وَفِي ذَلِكَ مُدَاخَلَةٌ لِقَصْدِ الْجِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُمْ قَطْعًا، لِفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَقَاصِدِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَحْضِ التَّعَبُّدِ لَا يَقْدَحُ مِنْ الْإِخْلَاصِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي ضَبْطِ قَانُونِهَا، وَتَمْيِيزِ مَا يَضُرُّ مُدَاخَلَتُهُ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَيَقْتَضِي الشَّرِكَةُ فِيهِ الْمُنَافَاةَ لِلْإِخْلَاصِ، وَمَا لَا تَقْتَضِيه وَيَكُونُ تَبَعًا لَا لَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَنْهُ غَيْرُ مَا مَسْأَلَةٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لَنَظَرِ الْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ أَصْلًا، وَتَقْدِيرًا عَلَى حَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، عَلَى مَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>