للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

بِالْمَفْهُومِ، ثُمَّ عَلَيْكَ - بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ - بِالنَّظَرِ فِي مَعْنَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ حَاجَةِ التَّخْصِيصِ إلَى التَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ فِي مَحَلِّهِ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ لَفْظَةَ طَهُورٌ تُسْتَعْمَلُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَدَثِ، وَلَا الْخَبَثِ. وَقَالَ: إنَّ " الصَّعِيدَ " قَدْ يُسَمَّى طَهُورًا، وَلَيْسَ عَنْ حَدَثٍ، وَلَا عَنْ خَبَثٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ، وَجُعِلَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى نَجَاسَةِ فَمِ الْكَلْبِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ، إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» فَقَالُوا " طَهُورٌ " يُسْتَعْمَلُ إمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ خَبَثٍ، فَمَنَعَ هَذَا الْمُجِيبُ الْمَالِكِيُّ الْحَصْرَ. وَقَالَ: إنَّ لَفْظَةَ " طَهُورٍ " تُسْتَعْمَلُ فِي إبَاحَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا فِي التُّرَابِ، إذْ لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ كَمَا قُلْنَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ " مُسْتَعْمَلًا فِي إبَاحَةِ اسْتِعْمَالِهِ، أَعْنِي الْإِنَاءَ، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ - وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ - لَكِنَّهُ عَنْ حَدَثٍ، أَيْ الْمُوجِبِ لِفِعْلِهِ حَدَثٌ. وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا " إنَّهُ عَنْ حَدَثٍ " وَبَيْنَ قَوْلِنَا " إنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ " وَرُبَّمَا تَقَدَّمَ هَذَا أَوْ بَعْضُهُ.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكْتُهُ الصَّلَاةُ فَلِيُصَلِّ " مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عُمُومِ التَّيَمُّمِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَيُّمَا رَجُلٍ " صِيغَةُ عُمُومٍ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا، وَوَجَدَ غَيْرَهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ. وَمَنْ خَصَّ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ يَحْتَاجُ أَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا يَخُصُّ بِهِ هَذَا الْعُمُومَ، أَوْ يَقُولُ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي، وَأَنَا أَقُولُ بِذَلِكَ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا: صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. فَأَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فَعِنْدَهُ طَهُورُهُ وَمَسْجِدُهُ " وَالْحَدِيثُ إذَا اجْتَمَعَتْ طُرُقُهُ فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>