كتاب مستخرج أبي عوانة - ط الجامعة الإسلامية

ابتداء أبواب الصلوات وما فيها - باب إيجاب تعظيم الرب ﷿ في الركوع، والاجتهاد في الدعاء في السجود، وحظر القراءة في الركوع والسجود - ج: 5 - ص: 171

١٨٨٠ - حدثنا عمَّارُ بن رَجَاء (١)، قال: ثنا يزيدُ بن هارون (٢)،

⦗١٧٢⦘ قال: أبنا محمد (٣)، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنيْن، عن أبيه، أنه سمع عليًّا -برحبة الكوفة- يقول: "نهاني رسولُ الله ﷺ-ولا أقول: نهاكم- عن لبس القَسِيِّ، والمعَصْفَر، وعن التختُّمِ بالذهب، وعن قراءةِ القرآنِ وأنا راكع" (٤).

رواه يزيدُ بن أبي حبيب (٥)، والضحاكُ بن عثمان (٦)، وأسامةُ بن زيد (٧)، ومحمد بن عمرو (٨)، ومحمدُ بن إسحاق (٩)، كلُّ هؤلاء عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنيْن، عن أبيه، عن عليى؛ إلا الضحاك وابنَ عجلان (١٠)؛ فإنهما زادا "عن ابن عباس (١١) " عن عليّ، عن النبي ﷺ، وقالوا:

⦗١٧٣⦘ "نهاني عن قراءة القرآن وأنا راكع"، ولم يذكروا في روايتهم النهي عنها في السجود (١٢).

⦗١٧٤⦘ كما ذكر الزهريُّ (١٣)، وزيدُ بن أسلم (١٤) والوليدُ بن كثير (١٥)، وداودُ بن قيس (١٦) (١٧).

---

(١) أَبو ياسر التغلبي الإستراباذي.
(٢) ابن زاذان، أَبو خالد الواسطي.
(٣) هو: ابن عمرو بن علقمة الليثي المدني.
(٤) سبق وأن أخرج المصنف حديث محمد بن عمرو:
أ- برقم (١٨٥٨) من طريق النضر بن شميل، عن محمد بن عمرو.
ب- برقم (١٨٧٢) من طريق يونس بن راشد الحراني، عن محمد بن عمرو.
ج- برقم (١٨٧٧) من طريق يونس بن راشد الحراني، عن محمد بن عمرو أيضًا.
وانظر تخريجه في (ح /١٨٧٢).
(٥) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٧٥).
(٦) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٧١).
(٧) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٧٠) ولم يرد في (ل) و (م): "ابن زيد".
(٨) تقدم حديثه عند المصنف بالأرقام: (١٨٥٨، ١٨٧٢، ١٨٧٧، ١٨٨٠).
(٩) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٧٣، ١٨٧٨).
(١٠) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٦٩).
(١١) وكذلك داود بن قيس، كما سبق في (ح / ١٨٦٦). =
⦗١٧٣⦘ = وتابعهم عن إبراهيم رجل رابع وهو: عبد الحكيم بن عبد الله بن أَبي فروة كما في (العلل) للدارقطني (٣/ ٧٩) وهو (صُوَيْلِح) كما قاله الذهبي، وقال الدارقطني: "مُقِلٌّ، يُعْتبَر به". انظر: ضعفاء العقيلي (٣/ ١٠٣)، سؤالات البرقاني (٣١١)، ثقات ابن حبان (٧/ ١٣٨)، الميزان (٢/ ٥٣٧)، لسان الميزان (٤/ ٢٢٦).
هذا، والجمهور من أصحاب إبراهيم ممن ذكرهم المصنف مع يزيد بن أبي حبيب، وكذلك: نافع والزهري وزيد بن أسلم، والوليد بن كثير، على عدم ذكر ابن عباس ﵁ في السند، وقد ساق المصنف أحاديثهم، خلا زيد بن أسلم، فسيأتي حديثُه برقم (١٨٨٢) ونافع، وحديثُه برقم (١٨٨٠).
وتابعهم عن إبراهيم جماعةٌ آخرون، وهم:
١ - إسحاق بن أبي بكر.
٢ - الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب.
٣ - شريك بن أبي نمر.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (١/ ٢٩٩ - ٣٠٠)، العلل (٣/ ٧٨ - ٨٠)، الإلزامات والتتبع (ص ٢٨٤)، كلاهما للدارقطني.
(١٢) وتابعهم عن عبد الله بن حُنيْن كلٌّ من:
١ - سعيد بن أبي سعيد المقبري [تاريخ بغداد ٧/ ٢٥].
٢ - خالد بن معدان [النسائي في "اللباس" (٨/ ١٩٢)].
٣ - محمد بن المنكدر [عند المصنف برقم (١٨٧٥) ورواه مسلم (١/ ٣٤٩).
كما أن نافعًا وافقهم في عدم ذكر السجود، وروايته عند المصنف برقم (١٨٨٢) وأخرج البخاري روايته -بتوسُّع- في (تاريخه الكبير) (١/ ٢٩٩).
(١٣) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٦٦).
(١٤) (ك ١/ ٤٠٢). وزيد بن أسلم سيأتي حديثه عند المصنف برقم (١٨٨٤).
(١٥) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٦٨).
(١٦) تقدم حديثه عند المصنف برقم (١٨٦٧).
(١٧) لم يتابعهم عن عبد الله على ذكر السجود أحدٌ فيما اطلعت، وقد تابعهم عن ابن عباس: عبد الله بن الحارث بن نوفل، أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على مسند أبيه (٨٢٩، ٩٣٩) (١/ ١٠٥، ١٠٧)، وانظر: علل الدارقطني (٣/ ٧٨).
وقفة: يُلاحَظُ أن المصنف قد أولى الاختلافَ الواردَ في حديث علي ﵁ اهتمامًا بالغًا -تبعًا للإمام مسلم- والاختلاف في هذا الحديث وارد في السند والمتن، وإليك خلاصةً عنه، مع بيان الراجح في كلتا النقطتين:
أولًا: الاختلاف في السند:
وتمثَّل في ذكر عبد الله بن عباس ﵄ أو عدَمِه بين عبد الله بن حُنيْن وعلي بن أَبي طالب ﵁.
فالأكثرون على عدم ذكره، وأن عبد الله بن حُنيْن يرويه عن علي ﵁ مباشرة وهم: نافع، والزهري، وزيد بن أسلم، والوليد بن كثير، ويزيد بن أبي حبيب، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق.
وكذلك: إسحاق بن أبي بكر، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، وشريك بن أبي نمر.
وتابعهم عن عبد الله بن حُنيْن كلٌّ من: سعيد بن أبي سعيد المقبري [تاريخ بغداد ٧/ ٢٥] وخالد بن معدان [النسائي في "اللباس" ٨/ ١٩٢]، محمد بن المنكدر [عند مسلم (١/ ٣٤٩) والمصنف (١١٣)، موسى بن عبيْدَة الربذي [الترغيب والترهيب للأصفهاني (مخطوط) ١٩٦ /أ] ويحيى بن أبي كثير [التاريخ الكبير للبخاري ١/ ١٩٩]. =
⦗١٧٥⦘ = كما تابعهم عن علي ﵁ كلٌّ من: عبيدة السلماني [النسائي ٢/ ١٨٧] والحارث بن عبد الله الأعور الكوفي [مصنف عبد الرزاق (٢٨٣٥) ٢/ ١٤٤]، ومحمد بن حنفية [المصدر السابق (٢٨٣٤) ٢/ ١٤٤]، والنعمان بن سعد [رواه عبد الله بن أحمد في زياداته على أبيه (١٣٣٠، ١٣٣٧)، (١/ ١٥٥)]، وأبو يعلى (٤١٦، ٤٢٠)، (١/ ٣٣١، ٣٣٣)، والبزار، كشف الأستار (٥٣٩)، (١/ ٢٦٢) وهو ضعيف، انظر: مجمع الزوائد (٢/ ١٢٧)].
وخالفهم جماعةٌ فزادوا (ابنَ عباس) بين عبد الله بن حُنيْن وعلي بن أبي طالب، وهم: محمد بن عجلان، الضحاك بن عثمان، داود بن قيس، عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، وتابعهم عن ابن عباس: عبد الله بن الحارث [المسند للإمام أحمد ١/ ١٠٥).
الترجيح:
وقد سلك النقاد مسلكين: الأول: الجمع، والثاني: الترجيح.
أ- وممن اختار المسلك الأول:
١ - يحيى بن سعيد القطان. ٢ - ابن عبد البر.
قال الأخيرُ منهما -بعد سياقِه لرواية ابن عجلان ومن معه-: "هكذا قال ابن عجلان، وداود بن قيس، والضحاك بن عثمان في هذا الحديث: عن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي، فزادوا ذكر ابن عباس.
وفي حديث ابن شهاب وغيره: أن عبد الله بن حُنيْن سمعه من علي.
وقد يجوز أن يسمعه من ابن عباس عن علي، ثم يسمعه من علي.
ويجوز أن يسمعه منهما معًا.
وقد ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد أنه كان يذهب إلى أن عبد الله بن حُنيْن سمعه من ابن عباس، ومن علي، ويقول: كان مجلسهما واحدًا وتحفظاه جميعًا".
٣ - واختار هذا المسلكَ -كذلك- النووي قائلًا: " … وهذا اختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، فقد يكون عبد الله بن حُنيْن سمعه من ابن عباس عن علي، ثم سمعه =
⦗١٧٦⦘ = من علي نفسه. . ." [شرحه لصحيح مسلم ٤/ ٢٠٠].
ب- واختار أكثر الأئمة مسلكَ الترجيح، فرجحوا رواية الزهري، ونافع، ومن معهم الذين أسقطوا ابن عباس من السند وهم:
١ - الإمام البخاري في (تاريخه الكبير)، (١/ ٣٠٠)؛ فقد قال -بعد استعراضه للاختلاف المذكور-: "ولم يصح فيه (ابنُ عباس)، وما روى مالك عن نافع أصح" يشير بذلك إلى رواية الجمهور.
٢ - الإمام أَبو حاتم؛ فقد سأله ابنُه عن هذا الاختلاف فقال: " (لم يقُل هؤلاء الذين رووا عن أبيه: (سمعتُ عليًّا) إلا بعضُهم*، وهؤلاء الثلاثة مستورون، والزيادة مقبولة من ثقة، وابن عجلان ثقة، والضحاك بن عثمان ليس بالقوي، وأسامة لم يَرْض حتى روى عن إبراهيم، ثم روى عن عبد الله بن حنين نفسه، وأسامة ليس بالقوي".
ثم قال ابنُ أبي حاتم: "وقال أبي مرة أخرى: الزهري أحفظ".
٣ - الدارقطني، فقد أورد رواية ابن عجلان، وداود بن قيس، والضحاك في كتابه (التتبّع) (١٣٧) (ص ٢٨٤)، ثم قال: "وقد خالفهم جماعة أحفظ منهم، وأعلى إسنادًا، وأكثر عددًا، منهم: نافع، والزهري … "، وقال في (العلل) -بعد ذكره لرواية ابن عجلان ومن معه-: "وخالفهم جماعة أكثر منهم عددًا … " فذكرهم.
والمقطع الأول من كلام الإمام أبي حاتم يُرجّح جانب من زاد ابن عباس، ولكنه تراجع في قوله الأخير، فقدَّم الزهري وحده على ابن عجلان ومن شاركه، لأن الزهري أحفظ. وانظر: (بين الإمامين: مسلم والدارقطني (ص ١٥٠ - ١٥١)، كلام محقق (الإلزامات والتتبع) (ص ٢٨٥).
*قلتُ: قد وقع التصريح بسماع عبد الله بن حُنيْن عن علي ﵁ لأكثرهم، وهم: الزهري [ح / ١٨٦٥] والوليد بن كثير [ح / ١٠٧] وأسامة بن زيد [ح / ١٠٩]، [وفيه قصة دخوله على عبد الله بن حُنيْن]، ومحمد بن عمرو بن علقمة [ح / ١١١]، =
⦗١٧٧⦘ = ويزيد بن أبي حبيب [ح / ١١٤].
٤ - وقد استظهر شيخنا ربيع بن هادي المدخلي في كتابه (بين الإمامين) (ص ١٥١)، ومحقق كتاب (الإلزامات والتتبع) (ص ٢٨٥) أن صنيع الإمام مسلم يدل على ترجيحه لجانب الزهري ومن معه، وأنه لم يشقْ رواية ابن عجلان ومن معه إلا لبيان علتها.
٥ - واختاره شيخنا: ربيع بن هادي المدخلي في كتابه (بين الإمامين مسلم والدارقطني) (ص ١٥٠ - ١٥١).
والراجح: هو رواية الزهري ومن معه ممن لم يذكر ابن عباس في هذا الحديث، لأنهم -كما قال الإمام الدارقطني-: "أحفظ، وأعلى إسنادًا، وأكثر عددًا"، فزيادة ابن عباس بين عبد الله بن حُنيْن وعلى تعتبر من (المزيد من متصل الأسانيد).
ولكني لا أستَبْعد ما استظهره ابنُ عبد البر ومن معه من الجمع، وخاصة على ضوء كلام القطان السابق.
ثانيًا: الاختلاف في المتن:
وتمثَّل في ذكر النهي عن قراءة القرآن في السجود أو عدمِه، والاقتصار على ذكر النهى عن القراءة في الركوع فقط:
أ- فقد اقتصر على الركوع كلٌّ من: نافع، ويزيد بن أبي حبيب، والضحاك بن عثمان، وأسامة ابن زيد، ومحمد بن عمرو، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان.
وتابعهم عن عبد الله بن حُنيْن في ذلك: سعيدُ بن أبي سعيد المقبري، وخالد بن معدان، ومحمد بن المنكدر.
كما تابعهم عن علي ﵁: محمد بن الحنفية، وعبيدة السلماني.
ب- بينما خالفهم كل من: الزهري، وزيد بن أسلم، والوليد بن كثير، وداود بن قيس. =
⦗١٧٨⦘ = وتابعهم عن ابن عباس: عبد الله بن الحارث، والنعمان بن سعد [وحديثاهما ضعيفان]، فزادوا ذكر النهي عن قراءة القرآن في السجود أيضًا.
الترجيح:
والذي يترجح لديَّ هو جانب الإمام الزهري، لما يلي:
١ - لاتفاق أكثر الثقات على هذه الزيادة، كالزهري، وزيد بن أسلم، وداود بن قيس، أما الذين اقتصروا على الركوع فقط فكلُّهم متكلَّم فيهم إلا الإمامين: نافع ويزيد بن أبي حبيب*.
٢ - ولو افترضنا التساويَ في الحفظ والثقة فذِكْرُ السجود زيادةٌ من الثقة [بل الثقات] وليس فيها مخالفةُ معارضةٍ لما اقتصر عليه الآخرون، فتُقْبل.
وللحديث -بذكر الركوع والسجود- شاهدٌ صحيح من حديث ابن عباس ﵁ سبق عند المصنف برقم (١٨٦٢).
* هذا ما يتعلق بالاختلاف على إبراهيم بن عبد الله بن حُنيْن خاصة، أما إذا اعتبرنا المتابعات عمن فوق إبراهيم فالأكثر من الثقات على عدم ذكر السجود، إلا أن جانب الزهري ومن معه يَظَلُّ مرجَّحًا لكون ما زادوه زيادة من الثقات لا تخالف ما ذكره الآخرون.
قال الدارقطني: "ثقة". وقال أَبو حفص بن شاهين: "كان من نبلاء أصحاب أحمد".
وقال: أحمد ابن المنادي: "مشهودٌ له بالصلاح والفضل". وقال: الخطيب: "كان فاضلًا حافظًا، ثقة، عارفًا". تاريخ بغداد (٣/ ٦١ - ٦٢)، تاريخ جرجان للسهمي (٦٥١) (ص ٣٩١)، السير (١٣/ ٤٩ - ٥٠)، تذكرة الحفاظ (٢/ ٥٩٠ - ٥٩١).