الحمد لله الذي هدى عباده إلى الصراط المستقيم، وأتم لهم بالكتاب والسنة الدين، فالحمد له حمدًا طيبًا مباركًا فيه ما دامت السموات والأرضين، والصلاة السلام على نبيه محمد الأمين، بشَّر بالنُّضرة من بلَّغ سنته وهديه للعالمين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العناية بتراث علماء الأمة الإسلامية وإخراجه من خزائن المخطوطات إلى عامة المكتبات وتقريبه للعامة والخاصّة، من خير ما بذلت فيه الدراسات العلمية، وهو هدف رئيس من أهداف الجامعة الإسلامية ومرافقها التعليمية، لا سيما حينما تتصل معادنه بأصل من أصول السنة النبوية، وتصقل جواهر لآلئه، وتجلي أسرارًا من صناعته الفقهية والحديثية.
وإن من أبرز ما اعتنت به كلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية كتاب "المسند الصحيح المخرّج على صحيح مسلم"، الذي يعد موسوعة حديثية ذات قيمة علمية تتصل بأصل من أصول السنة النبوية، وهو صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى.
والارتباط بين صحيح الإمام مسلم وكتاب أبي عوانة ظاهر الأثر في اهتمام أئمة السلف بحرصهم على سماع مستخرج أبي عوانة وروايته، يصور ذلك أجمل تصوير قول العلامة عبد الغافر الفارسي في ثنائه على أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري راوي المستخرج، بقوله:
"حدَّث سنين، وألحق الأحفاد بالأجداد، وكانت الرحلة إليه بإسفرايين من البلاد، ثم حمل إلى نيسابور سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ونزل في دار الشيخ أبي الحسن البيهقي، وحضره السادة الأئمة والقضاة