للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - وَحدثنا محمَّد بن عبيد الله المَعْروفُ بابن المُنادِي (١)، حدثنا يُونس بن محمَّد (٢)، حدثنا المُعْتَمِر (٣)، عَن أبيهِ، عَن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمر، عن عُمَر (٤) عن النَّبي بنحو حديثهم، وَقال فيهِ: "بينما نحن جُلُوسٌ عند رسولِ الله في أُناسٍ (٥)، دخل رجلٌ ليس عليه سَحْنَاءُ (٦)

⦗٢٨⦘ سَفَرٍ، وليْس من البلدِ، فَتَخَطَّى حتى وَرَّكَ (٧) بين يدي رسول الله (٨) كما يَجلِس أَحَدُنا في الصَّلاة، ثم وَضَع يَدَه على ركبتي النَّبِي (٩) فقال: يا محمدُ، ما الإِسلامُ؟ قال: "تشهَدُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، وَتقيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤتي الزكَاةَ، وَتَحُجَّ وتَعتمر، وتَغْتسل مِنَ الجنابةِ، وتُتم الوُضُوءَ، وَتَصُوم رمضانَ".

قال: فإن فعلتُ هذا فأنا مُسلم؟ قال: "نعم قال: صَدَقْتَ. قال: يا محمدُ، ما الإيمانُ؟ قال: "الإيمانُ أن تؤمِنَ باللهِ، وَمَلائكتهِ، وَكُتُبهِ، وَرُسله، وَتؤمن بالجنَّةِ والنَّار والميزان" وتؤمن بالبعْثِ بعَدَ الموتِ، وَتُؤمن بالقَدَرِ خَيرِه وَشَرِّه"، قَال: فإن فعلْتُ هذا فأنا مؤمن؟ قَال: "نعَمْ"، قال: صدقْتَ. وذكر الحديثَ (١٠).


(١) محمَّد بن عبيد الله بن يزيد البغدادي، أبو جعفر بن المنادي.
(٢) ابن مسلم البغدادي، أبو محمَّد المؤدِّب.
(٣) في (ط): "المعتمر بن سليمان". وهو: معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، أبو محمَّد البصري.
(٤) سقطت كلمة "عمر" من (م).
(٥) في (م): "في أناسٍ دخلوا دخل رجل".
(٦) السَّحْنَةُ والسَّحْنَاء بالمدِّ: بَشَرَةُ الوجه وهيأته وحاله.
انظر: النهاية لابن الأثير (٢/ ٣٤٨)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ص ١٥٥٤).
(٧) ورَّك: مصدره وَرِكٌ وهو ما فوق الفخذ من العظم كالكتف فوق العضد، وورَّك أي وضع وركه على رجليه أو على الأرض وجلس عليها.
ووقع في (ط): "برك" وهو قريب المعنى من الأول، كذا علَّقه ناسخ الأصل على الهامش: "برك".
(٨) في (ط): "النبي".
(٩) ما بين النجمتين ساقط من (م).
(١٠) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب بيان الإيمان والإِسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله … (١/ ٣٨ - ح ٤) من طريق حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمَّد عن المعتمر به، ولم يسق متنه وأحال على ما قبله.
ووقع في لفظ هذا الحديث ألفاظٌ زائدة في أركان الإِسلام مثل: العمرة، والاغتسال =
⦗٢٩⦘ = من الجنابة وإتمام الوضوء.
وأخرجه الدارقطنِي في السنن -كتاب الحج- باب المواقيت (٢/ ٢٨٢)، وابن منده في الإيمان (١/ ١٤٦)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٤٩) كلهم من طريق ابن المنادي، عن يونس بن محمَّد، عن المعتمر، هذه الألفاظ الزائدة.
وأخرجه ابن منده في الإيمان أيضًا (١/ ١٤٣)، وأبو القاسم الأصبهانِي في الحجة في بيان المحجة (١/ ٤١٠) كلاهما من طريق ابن المنادي عن يونس بن محمَّد عن المعتمر أيضًا، وليس فيه هذه الألفاظ، ثم قال ابن منده رحمه الله تعالى موضِّحًا: "هكذا حدَّث به يونس بن محمَّد المؤدب عن المعتمر بلفظين مختلفين، وفي كل واحد من الخبرين ألفاظٌ ليست في الآخر من الزيادات وعلى هذا روى عنه حجاج الشاعر كما رواه ابن المنادي، فأما الخبر الأول [أي: بدون ذكر الزيادات] فوافقه محمَّد بن أبي يعقوب الكرمانِي، وهو أحد الثقات ممن روى عنه محمَّد بن إسماعيل البخاري في الجامع واعتمده ووثقه.
وأما الخبر الثاني فرواه يوسف بن واضح الهاشمي البصري وغيره عن المعتمر بن سليمان من نحو رواية يونس بن محمَّد وذكر فيه الزيادات التي ذكرها يونس في الخبر الأخير".
فائدة الاستخراج:
لم يذكر الإِمام مسلم لفظ الحديث وإنما أحال فقط بقوله: "بنحو حديثهم"، والمصنِّف ذكر أكثر ألفاظه، وميَّز اللفظ المحال إليه عند مسلم.
تنبيهات:
أولًا: الإِمام مسلم رحمه الله تعالى أخرج الحديث وساق إسناده عن حجاج بن الشاعر عن يونس المؤدب ولم يسق متنه، ومما سبق من كلام ابن منده يتضح أن حجاج بن الشاعر رواه كما رواه ابن المنادي أي على الوجهين بذكر الزيادات وبدون ذكرها، ولم أقف على ما يدل على أي الوجهين هي رواية مسلم بذكر الزيادات أم =
⦗٣٠⦘ = بدون ذكرها، وعليه فلا يمكن الجزم بأن الإمام مسلمًا أخرجه بهذه الزيادات أو بدونها، وأوردت هذا التنبيه لأن الدارقطنِي رحمه الله تعالى قال عقب سوق الحديث -الذي سبق تخريجه آنفًا-: "إسناد ثابت صحيح، أخرجه مسلم هذا الإسناد" فيفهم من صنيعه أن رواية مسلم أيضًا فيها هذه الزيادات، وكذلك صنع البيهقي بعد أن ساق الحديث بالزيادات المذكورة قال: "رواه مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمَّد إلا أنه لم يسق متنه"، ولم يشيرا -أي الدارقطنِي والبيهقي- إلى الوجه الآخر الذي رواه به ححاج بن الشاعر- أي بدون ذكر الزيادات- كما أشار إليه ابن منده رحمه الله تعالى، ولا يمكن الجزم بأن رواية مسلم هي على أحد الوجهين دون الآخر إلا بدليل، والله أعلم.
ثانيًا: ذكر ابن منده أيضًا أن يونس بن محمَّد وافقه محمَّد بن أبي يعقوب الكرمانِي في رواية الحديث عن المعتمر بدون ذكر الزيادات، وهذه الرواية أخرجها هو -أي ابن منده- في كتاب الإيمان (١/ ١٤٥) من طريق الكرمانِي عن المعتمر به.
وأما بذكر الزيادات فقال إنه وافقه يوسف بن واضح الهاشمي وغيره، ورواية يوسف بن واضح أخرجها ابن خريمة في صحيحه (١/ ٤)، وهو أول حديث في صحيحه، وأخرجها ابن حبان في صحيحه (١/ ١٩٨ ح ١٧٣)، وابن منده في الإيمان (١/ ١٤٧) كلاهما من طريق ابن خزيمة به.
ثالثًا: عرفنا من صنيع ابن خزيمة، وابن حبان -حيث أورداه في الصحيح-، ومن كلام الدارقطنِي، والبيهقي أنهم يذهبون إلى تصحيح الحديث بهذه الزيادات، غير أن ابن حبان علَّق قائلًا: تفرَّد سليمان التيمي بقوله: "تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء"، وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر اختلاف الحديث والاختلاف على ألفاظه بالزيادة والنقص: "أما الحج فقد ذُكر، لكن بعض الرواة إما ذهل عنه أو نسيه، والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض، ففي رواية كهمس =
⦗٣١⦘ = "وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا" … وذكر التيمي في روايته الجميعَ، وزاد بعد قوله الحج: "وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء" … فتبين ما قلناه أن بعض الرواة ضبط ما لم يضبط غيره". فتح الباري (١/ ١٤٦).
فكأنه يذهب إلى أن هذه الألفاظ كلها ثابتة، وقد أشكل عندي سكوت الإمام مسلم عنها، وإيراد أبي عوانة لها، ولو تأمَّلنا تلك الألفاظ لوجدنا أن بعضها تدخل في الأركان الخمسة للإسلام: فالاغتسال من الجنابة، وإتمام الوضوء من شروط الصلاة، والعمرة تقرن مع الحج في حج التمتع والقران، وذهب إلى وجوب العمرة أيضًا كثير من العلماء من أهل الأثر.
انظر: فتح الباري لابن حجر (٣/ ٦٩٨)، نيل الأوطار للشوكانِي (٤/ ٣١٢ - ٣١٦) وأما الجنة والنار والميزان فداخلة في الإيمان بالبعث، والله أعلم.
رابعًا: هناك زيادة أيضًا في آخر الحديث لم يسقها المصنِّف، وقد ساقها ابن حبان، والدارقطني، وابن منده وهي قوله : "فوالذي نفسي بيده ما شُبِّه عليَّ منذ أتانِي قبل مرَّتي هذه، وما عرفته حتى ولَّى". وقد سبق في ح (٢) بلفظ: "وما أتانِي جبريل في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه"، وفي لفظ أبي أمية الطرسوسي: "ما جاء في مثل صورته اليوم قط". مسند عبد الله بن عمر لأبي أمية (ص / ٤١ ح ٧٢) فهذا يدل على أن جبريل كان يأتي النبي في صور معروفة مثل ما جاء في بعض الروايات أنه كان يأتِي في صورة دِحية الكلبي- إلا هذه المرة، فإنه جاء بصورة لم يعرفه فيها النبي لأول وهلة، ثم عرفه بعد ما ولى.
قال الحافظ: "دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي ما عرف أنه جبريل إلا في آخر الحال، وأن جبريل أتاه في صورة رجل حسن الهيئة لكنه غير معروف لديهم". فتح الباري (١/ ١٥٢).