للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣٧٤٠ - حدَّثنا أبو داود (١)، حدثنا أبو سلمةَ (٢)، حدثنا حمَّاد (٣)، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالتْ: لبَيَّنا بالحجِّ حتَّى

⦗٣١٥⦘ إذا كنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فدخلَ عليَّ رسول الله وَأَنَا أبْكِي، وذكر الحديث، وقال فيه: فلمَّا قَدِمْنَا مكَّة قَالَ رسول الله : "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعلْ، إلَّا من كان معه الهدْيُ" قالت: "وَذَبَحَ رسول الله عَنْ نِسَائِهِ البَقَرَ يوم النَّحرِ (٤) ".


(١) هو: الإمام سُليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، صاحب السُّنن، والحديث في سُنَنِه بالإسناد نفسِه. (ص ٢٠٨).
(٢) هو: موسى بن إسماعيل التَّبوذَكيّ.
(٣) ابن سلمة، وهو موضع الالتقاء مع مسلم.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب بيان وجوه الإحرام. . . (٢/ ٨٧٤، ح ١٢١) عن أبي أيوب الغيلاني، عن بهز، عن حماد بن سلمة به، محيلًا متْن حديثه على حديث عبد العزيز بن أبي سلمة الماجِشُون قبله، وقال: "وساق الحديث بنحو حديث الماجِشُون. . .".
قلتُ: اختلف لفظ حمَّاد بن سَلَمة، ولفظُ الماجِشُون، في مسئلة تخيير النَّبِيِّ أصحابَه بين فسخ الحج إلى العمرة، وعدمِه، ففي لفظ الماجشون، عن عبد الرحمن ابن القاسم كما عند مسلم وغيره: "قال رسول الله لأصحابه: "اجعلوهما عمرة"، وفي لفظ حمَّاد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم، كما عند المصنِّف وأبي داود (ص ٢٠٨): "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعلْ، إلَّا من من معه الهدْيُ"، والفَرْق واضح بين التخيير في فعل شيء وبين الأمر به.
قال الشيخُ الألباني في حديث عائشة هذا (صحيح سنن أبي داود ١/ ٤٩٩، ح ١٧٨٢): "صحيحٌ دون قوله: "من شاء أنْ يجعلها عمرة. . ." والصَّواب: "اجعلوها عُمْرَةً"، م، ويأتي برقم (١٧٨٨).
قلتُ: يقصِد الشيخ من الرمز: "م" إخراج مسلم له، وبالحديث ح (١٧٨٨) حديثَ موسى بن إسماعيل، عن حمَّاد، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن جابر، وفيه: "اجعلوها عمرةً"، وبرقم (١٥٧٢) الحديثَ ذاته.
وتابع الماجِشُونَ عمرُو بن الحارث عند ابن حبَّان (٩/ ٣١٦)، فرواه عن =
⦗٣١٦⦘ = عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم به، بلفظ: "اجعلوها عمرةً"، وإسنادُه صحيح، والله أعلم.
ولكن التَّخْيِيْر بين الفسخ وعدمه رواه البُخاري في صحيحه (ص ٢٥٣، ص ٢٨٨) عن محمد بن بشَّار، عن أبي بكر الحَنَفي، وعن أبي نعيم الفضل بن دُكين، كلاهما عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة به، وفيه: "فنزلنا بِسَرِفَ فقال النَّبِيّ لأصحابه: من لم يكنْ معه هديٌ فأحبَّ أن يجعلَها عمرة فلْيفعلْ، ومن كان معه هديٌ فلا"، انظر ح / ٣٧٣٧.
وقد جمَعَ العُلَماء بين هذه الألفاظ المختلفة التي البعضُ منها يدلُّ على التَّخيير بين الفسخ وعدمه، والبعض الآخر منها يدلُّ على أمر عزيمةٍ وتحتُّم بفسخِ الحجِّ إلى العُمرة.
قال القاضي عياض: "والذي تدلُّ عليه نُصُوص الأحاديث في صحيحَيْ البخاري ومسلم.
وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما، أن النَّبِيّ إنَّما قال لهم هذا القَوْلَ بعد إحرامهم بالحجِّ في منتهى سفرهم ودُنوِّهم من مكَّة بِسَرِفَ، كما جاء في رواية عائشة، أو بعد طوافه بالبيت وسعيه كما جاء في رواية جابر، ويحتمل تكريره الأمر بذلك في موضعين، وأنَّ العزيمة كانت آخرًا على ما تذكره بعد أمرهم بِفَسْخِ الحجِّ إلى العمرة".
وقال الإمام النَّووي -بعد سرده بعض الألفاظ التي فيها الأمر بالفسخ-: "هذه الروايات صحيحةٌ في أنَّه أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة أمرَ عزيمةٍ وتحتُّمٍ، بخلاف الرواية الأولى وهي قوله "من لم يكن معه هديٌ فأحبَّ أن يجعلَها عمرة فَلْيَفْعَل"، قال العلماء: "خيَّرَهم أوَّلًا بين الفَسْخِ وعدمه مُلاطفةً لهم، وإيناسًا بالعمرة =
⦗٣١٧⦘ = في أشهر الحج، لأنَّهم كانوا يرونها من أفجر الفجور، ثُمَّ حَتَّم عليهم بعد ذلك الفَسْخَ وأمرهم به أمرَ عزيمةٍ، وألزمهم ايَّاه، وكَرِه تَرَدُّدَهُم في قبول ذلك ثُمَّ قَبِلُوه وفعلوه إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، والله أعلم".
وقال أنور شاه الكَشْمِيْري: "وقد كان النَّبِيّ خيَّرهم في أوَّل أمرِهم، ثُمَّ أمرَهم ثانيًا قبل شروعهم في الأفعال حين بلغَ مكةَ شرَّفها الله تعالى، فلم يعمل به أحدٌ منهم، فلما رآهم امتنعوا عنه غَضِبَ عليهم، وعزمَ عليهم حين صَعَد المروةَ، وإنما غضبَ عليهم لأنَّهم أَبَوا أنْ يأتُوا بما كان أمرَهم به، وتنَزَّهُوا عن رخصتِهِ، وفي مثله وردَ الغضبُ".
انظر: إكمال المعلم (٤/ ٢٣٧)، شرح النووي على مسلم (٨/ ٣٧٩، ٣٨٥)، طرحُ التثريب (٥/ ٢٧)، فيض الباري (شرح حديث رقم ١٥٦٠).
من فوائد الاستخراج: تقييد "عبد الرحمن" بأنه ابن القاسم، وجاء لدى الإمام مسلم مهملا.