للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٣٤ - أخبرنا يونس بن عبد الأعلى (١)، أخبرنا ابن وهب، أنَّ مالكًا (٢) حدَّثه، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَة، عن زيد بن خالد الجهني قال: صلَّى لنا رسول الله صلاةَ الصُّبح بالحُدَيْبِية (٣)

⦗٢٤٥⦘ في إثر (٤) سَماءٍ (٥) كانَتْ من الليل، فَلما انْصرف أَقبَلَ على الناس فقال: "هل تدرون مَاذَا قال رَبُّكم؟ "، قَالُوا: الله وَرَسولُه أعلَمُ. قال: فَقَال: "أَصْبَحَ من عبادي مُؤمنٌ بي وكافرٌ، فأمَا مَن قال: مُطرنا بفضل الله ورحمتِه، فذلك مؤمن بي كافر (٦) بالكوكبِ، وَأما مَنْ قال مُطِرْنا بنَوْءِ (٧) كذا وكذا (٨)، فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب" (٩).


(١) ابن ميسرة الصدفي المصري.
(٢) الموطأ -كتاب الاستسقاء- باب الاستمطار بالنجوم (١/ ١٩٢ ح ٤).
(٣) بضم الأول، وبتشديد يائها الثانية وتخفيفها، لغتان مشهورتان، قال النووي: "والتخفيف هو الصحيح المشهور المختار". =
⦗٢٤٥⦘ = وتقع الآن على مسافة ٢٢ كيلو مترًا غرب مكة، على طريق جدة، ولا يزال يعرف بهذا الاسم. شرح مسلم للنووي (٢/ ٦٠)، المعالم الأثيرة لمحمد شُرَّاب (ص: ٩٧).
(٤) بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وبفتحهما جميعًا، لغتان مشهورتان. قاله النووي، وذكر الحافظ ابن حجر أن المشهور كسر الهمزة وإسكان المثلثة.
انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (٢/ ٦٠)، فتح الباري لابن حجر (٢/ ٦٠٧).
(٥) يعني: المطر. انظر: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح (ص: ٢٤٦).
(٦) في (م): "وكافر".
(٧) النوء واحدة الأنواء وهي: ثمان وعشرون منزلة، ينزل فيها القمر كلَّ ليلة في منزلة منها، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس: ٣٩]، ويسقط في الغَرْب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق، فتنقضي جميعها مع انقضاء السَّنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إليها، فيقولون: مُطرنا بنوء كذا، وإنما سُمِّي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، ينوء نوءًا، أي: نَهض وطلع.
انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (٥/ ١٢٢).
(٨) في (ط) و (ك): "كذا" مكررة ثلاث مرات.
(٩) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، فأخرجه من طريق مالك عن صالح بن كيسان في =
⦗٢٤٦⦘ = كتاب الأذان -باب يستقبل الإمام الناس إذا سلَّم (الفتح ٢/ ٣٨٨ ح ٨٤٦)، وفي كتاب الاستسقاء -باب قول الله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)﴾ [الواقعة: ٨٢] (الفتح ٢/ ٦٠٦ ح ١٠٣٨).
وأخرجه من طريق سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان في كتاب المغازي -باب غزوة الحديبية (الفتح ٧/ ٥٠٣ ح ٤١٤٧). وأخرجه من طريق ابن عيينة عن صالح، وسيأتي.
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء (١/ ٨٣ ح ١٢٥) من طريق يحيى بن يحيى عن مالك عن صالح بن كيسان به.
قال الحافظ ابن حجر ما ملخَّصه: "يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته للإيمان، ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة، ويرشد إليه رواية سفيان -أي: الآتية برقم ١٣٥ - وقال في آخره: "وكفر بي" أو قال: "كفر بنعمتي"، وحديث ابن عباس -أي: الآتي برقم ١٣٦ - وفيه: "أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر". وعلى الأول حمله كثيرٌ من أهل العلم، وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي قال: "من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان عليه بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفرٌ كما قال رسول الله لأن النوء وقتٌ، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا، ومن قال مُطرنا بنوء كذا على معنى مُطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا، وغيره من الكلام أحبُّ إليَّ منه" يعنى حسمًا للمادة".
ثم نقل عن ابن قتيبة قوله: "إن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعًا في ذلك فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيءٍ من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل فيه على المعنيين لتناول الأمرين، والله أعلم". فتح الباري (٢/ ٦٠٨). =
⦗٢٤٧⦘ = وذهب الشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب فتح المجيد -ونقله عن ابن مفلح وغيره- إلى تحريم نسبة المطر إلى النجم ولو على طريق المجاز، وإن اعتقد أن المؤثر هو الله وحده، ولكنه أجرى العادة بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم، وذهب إلى أنه يكون شركًا أصغر. فتح المجيد (ص: ٣٧٤).
ولعله أولى لكي يحتاط المرء فلا ينسب شيئًا من أفعال الله ونعمه إلى شيءٍ من مخلوقاته، والله أعلم.