للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤١٢ - حدثنا الرَّبيع بن سليمان (١) صاحبُ الشَّافعي، حدثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال (٢)، حَدَّثني شَرِيك بن عبد الله بن أبي نَمِر (٣)

⦗٥٥⦘ قال: سمعت أنس بن مالك يُحدثنا عن ليلة أُسرِيَ برسول الله من مسجدِ الكعبةِ، أنَّه جاءه ثلاثةُ نفرٍ قبلَ أن يوحى إليهِ، فلم يُكَلِّمُوهُ حَتى احتملوه فَوضَعوه عندَ بئرِ زمزم، فَتَولاه منهُم جَبريل، فشق جَبريل ما بينَ نَحْرِه إلى لَبَّتِهِ (٤)، حتى فرجَ عن صدرِه وَجَوْفِه، فَغَسَلَهُ مِن ماءِ زَمْزَم حَتى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثم أتى بطَسْتٍ من ذَهَبٍ فيه تَوْرٌ (٥) من ذَهَبٍ مَحْشُوًّا (٦) إيمانًا وحِكمةً، فحشا بهِ صدرَهُ وَجَوْفَهُ، ثم أطبَقَهُ.

ثم عَرَجَ بهِ إلى السماءِ الدنيا فضربَ بابا مِن أبوابها، فناداه أهلُ

⦗٥٦⦘ السماء: مَن هذا؟ قال: هذا جبريلُ، -قَالُوا: مَنْ (٧) معك؟ قال: محمد، قالوا: قد (٨) بُعِثَ إليهِ؟ قال: نَعَم، قالوا: فَمَرْحَبًا وَأَهْلًا (٩)، يستبشر به أهلُ السَّماء، لا يَعْلَمُ أهلُ السماء بما يُرِيْدُ الله في الأرضِ حَتى يُعْلِمَهم".

وَذكر الحديثَ بطوله (١٠).


(١) ابن عبد الجبار المرادي مولاهم المصري.
(٢) التيمي مولاهم المدني، وفي (م) تكررت عبارة "سليمان صاحب الشافعي، أخبرنا ابن وهب" ولعله سبق قلم.
(٣) القرشي -وقيل: الليثي- أبو عبد الله المدني، توفي في حدود سنة (١٤٠ هـ).
وثقه ابن سعد، وقال ابن معين -مرة، كذا النسائي-: "ليس به بأس"، وقال الإمام أحمد: "صالح الحديث"، ووثقه العجلي، وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "ربما أخطأ"، وقال ابن عدي: "رجل مشهور من أهل المدينة حدَّث عنه مالك، وغير مالك من الثقات، وحديثه إذا روى عنه ثقة فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروي عنه ضعيف".
وقال عنه ابن معين، والنسائي -مرة-: "ليس بالقوي"، ورماه الساجي بالقدر، وقال ابن الجارود: "ليس به بأس، وليس بالقوي، وكان يحيى بن سعيد لا يحدِّث =
⦗٥٤⦘ = عنه"، وضعَّفه ابن حزم، بل اتهمه بالوضع -كما قال الذهبي- لأجل حديثه في الإسراء هذا، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء.
ولعل أكثر من تكلَّم فيه بسبب روايته ألفاظًا منكرة في حديث الإسراء تخالف رواية الثقات.
قال الذهبي في الميزان: "تابعي صدوق، وهاه ابن حزم لأجل حديثه في الإسراء"، وقال في تاريخ الإسلام: "وذكره ابن حزم فوهاه واتهمه بالوضع، وهذا جهلٌ من ابن حزم فإن هذا الشيخ ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به، نعم غيره أوثق منه وأثبت، وهو راوي حديث المعراج وانفرد فيه بألفاظ غريبة". وذكره في المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد وقال: "صدوق"، وكذا قال في المغني في الضعفاء.
وقال الحافظ ابن حجر في هدي الساري: "في روايته لحديث الإسراء مواضع شاذة"، وقال في التقريب: "صدوق، يخطئ". وهو كذلك، فيتجنَّب خطؤه وما خالف فيه الثقات، وسيأتي الكلام على روايته لحديث الإسراء وأقوال العلماء فيها في نهاية الحديث إن شاء الله تعالى.
انظر: تاريخ الدوري (٢٥١)، تاريخ الدارمي (ص: ١٣٣)، العلل للإمام أحمد -رواية الميموني (ص: ١٦٥)، الثقات للعجلي (١/ ٤٥٣)، الضعفاء والمتروكين للنسائي (ص: ١٣٣)، الثقات لابن حبان (٤/ ٣٦٠)، الكامل لابن عدي (٤/ ١٣٢١)، المحلى لابن حزم (١/ ١٤٢)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (٤٠)، تهذيب الكمال للمزي (١٤٧٧)، سير أعلام النبلاء (٦/ ١٥٩) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٤١ - ١٦٠ /ص: ١٧٣)، والميزان (٢٧٠)، والرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد (ص: ١١٦)، والمغني كلها للذهبي (١/ ٢٩٧)، هدي الساري (ص: ٤٣٠)، وتهذيب التهذيب (٤/ ٣٠٧)، والتقريب لابن حجر (٢٧٨٨).
(٤) بفتح اللام وتشديد الموحدة، وهي: موضع القلادة من الصدر. قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٤٨٩).
(٥) قال الحافظ ابن حجر: "التَّوْر -بفتح المثناة- شبه الطَّست، وقيل: هو الطَّسْت، ووقع في حديث شَرِيك عن أنس في المعراج "فأتي بطست من ذهبٍ فيه تور من ذهب" وظاهره المغايرة بينهما، وكأن الطست أكبر من التور". فتح الباري (١/ ٣٦٣).
وقال في موضعٍ آخر: "وهذا يقتضي أنه غير الطست، وأنه كان داخل الطست، فقد تقدم أنهم غسلوه بماء زمزم، فإن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون أحدهما فيه ماء زمزم، والآخر هو المحشو بالإيمان، واحتمل أن يكون التور ظرف الماء وغيره، والطست لما يصب فيه عند الغسل صيانة له عن التبدد في الأرض، وجريًا على العادة في الطست وما يوضع فيه الماء". من الفتح (١٣/ ٤٨٩) بتصرف.
(٦) كذا وقع بالنصب وأعرب بأنه حالٌ من الضمير الجار والمجرور، والتقدير: بطست كائن من ذهب فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور، وأما قوله: "إيمانًا" فمنصوبٌ على التمييز، وقوله: "حكمة" معطوفٌ عليه. من الفتح لابن حجر (١٣/ ٤٨٩) بتصرف.
(٧) في (ط) و (ك): "ومن".
(٨) كلمة "قد" ليست في (ط).
(٩) في (ط): "مرحبًا وأهلًا وسهلًا".
(١٠) قوله: "بطوله" ليست في (ط) و (ك)، وستأتي روايته مطولة عند المصنف رحمه الله تعالى برقم (٤٢٦) من هذا الطريق.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب المناقب- باب كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه (الفتح ٦/ ٦٧٠ ح ٣٥٧٠) من طريق عبد الحميد بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن شريك بطرف منه، وأخرجه في كتاب التوحيد -باب ما جاء في قوله ﷿: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)﴾ (الفتح ١٣/ ٤٨٦ ح ٧٥١٧) عن عبد العزيز بن عبد الله عن سليمان بن بلال عن شريكٍ به مطولًا.
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب الإسراء برسول الله إلى السماوات، وفرض الصلوات (١/ ١٤٨ ح ٢٦٢) عن هارون الأيلي عن ابن وهبٍ عن سليمان بن بلالٍ به، ولم يذكر من الحديث إلا طرفًا وقال: "وساق الحديث بقصَّته نحو حديث ثابت البناني، وقدَّم فيه شيئًا وأخر وزاد ونقص".
وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (١/ ٥٢١) عن الربيع بن سليمان المرادي -شيخ المصنِّف- عن ابن وهبٍ به. =
⦗٥٧⦘ = تنبيه:
تكلَّم بعض العلماء -ومنهم الخطابي، وابن حزم، والبيهقي، وعبد الحق الإشبيلي، والقاضي عياض، والنووي، وابن القيم- على رواية شَرِيكٍ هذه لإتيانه فيها بألفاظ غريبة لم يتابعه عليها غيره من الثقات الذين رووا الحديث:
قال النووي: "جاء في رواية شَريك في الحديث في الكتاب أوهامٌ أنكرها عليه العلماء، وقد نبَّه مسلمٌ على ذلك بقوله: فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص … ".
وقال ابن القيم: "غلَّط الحفاظُ شَريكًا في ألفاظٍ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه، ثم قال: "فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص"، ولم يسرد الحديث فأجاد ".
وقال ابن حجر في الهدي: "خالف فيه شَريكٌ أصحاب أنس في إسناده ومتنه، أما الإسناد فإن قتادة يجعله عن أنس عن مالك بن صعصعة، والزهري يجعله عن انس عن أبي ذر، وثابت يجعله عن أنس من غير واسطة، لكن سياق ثابتٍ لا مخالفة بينه وبين سياق قتادة والزهري، وسياق شَريك يخالفهم في التقديم والتأخير والزيادة المنكرة".
وقد جمع ابن حجر المواضع التي خالف فيها شَريك غيره من الرواة، وهي أكثر من عشرة مواضع وقال: "والأولى التزام ورود المواضع التي خالف فيها غيره، والجواب عنها إما بدفع تفرده، وإما بتأويله على وفاق الجماعة"، وقد قال الحافظ ذلك في سياق مناقشته لأقوال الذين ردوا حديث شريك كابن حزم وغيره.
ثم ذكر هذه المواضع وأجاب عن بعضها، وأحال في الجواب عن البعض الآخر إلى أمكنها، وفيما يلي سرد تلك المواضع التي ذكرها ملخَّصٌ من كلامه رحمه الله تعالى:
الأول: أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات.
الثاني: كون المعراج قبل البعثة.
الثالث: كونه منامًا. =
⦗٥٨⦘ = الرابع: مخالفته في محل سدرة المنتهى، وأنها فوق السماء السابعة بما لا يعلمه إلا الله.
الخامس: مخالفته في النهرين، وبها النيل والفرات، وأن عنصرهما في السماء الدنيا، والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة، وأنهما من تحت سدرة المنتهى.
السادس: شق الصدر عند الإسراء، وقد وافقته رواية غيره.
السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا، والمشهور في الحديث أنه في الجنة.
الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى الله ﷿، والمشهور في الحديث أنه جبريل، وهذه اللفظة ستأتي في ح (٤٢٦)، وقد انتقد هذه اللفظة أيضًا البيهقي في "الأسماء والصفات".
التاسع: تصريحه بأن امتناعه من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة، ومقتضى رواية ثابت عن أنس أنه كان بعد التاسعة.
العاشر: قوله: "فعلا به -إلى- الجبار، فقال: وهو مكانه".
الحادي عشر: رجوعه بعد الخمس، والمشهور في الأحاديث أن موسى أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس، فامتنع.
الثاني عشر: زيادة ذكر التور في الطست.
ثم قال: "فهذه أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث لم أرها مجموعة في كلام أحدٍ ممن تقدم، وقد بيَّنت في كل واحد إشكال من استشكله، والجواب عنه إن أمكن وبالله التوفيق، وقد جزم ابن القيم في الهدي بأن في رواية شَريك عشرة أوهام، لكن عدَّ مخالفته لمحال الأنبياء أربعة منها، وأنا جعلتها واحدة، فعلى طريقته تزيد العدة ثلاثة، وبالله التوفيق".
انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (٣٥٥ - ٣٥٩) شرح مسلم للنووي (٢٠٩)، زاد المعاد لابن القيم (٣/ ٤٢)، هدي الساري (ص: ٤٠٢)، وفتح البارى لابن حجر (١٣/ ٤٨٨ - ٤٩٦).