للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف أصحاب هذا القول في مكان إقامة حد القصاص هل يكون في أرض العدو، أم بعد الرجوع إلى أرض الإسلام؟ وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في مبحث إقامة الحدود في أرض الحدود.

القول الثاني: يسقط القصاص عن المجاهد في أرض العدو إذا لم يكن الإمام مع الجيش، وبهذا قال الحنفية (١) .

واستدلوا بما يلي:

١- ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لاتقام الحدود في دار الحرب» (٢) .

وجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد بهذا الحديث حقيقة عدم الإقامة حسا، لأنه كل واحد يعرف أنه لا يمكن إقامة الحدود في دار الحرب لانقطاع ولاية الإمام عنها، فكان المراد بعدم الإقامة عدم وجوب الحد ولا يجب بعد ذلك إذا خرجنا إلى دارنا (٣) .

نوقش هذا الحديث: بأنه غير ثابت ولا أصل له (٤) قال ابن الهمام (٥) من الحنفية: (لا يعلم له وجود) (٦) .

وعلى فرض ثبوته فلا دليل فيه على سقوط القصاص في النفس عن المجاهد في أرض العدو، وذلك من وجهين:


(١) بدائع الصنائع (٦/١١٣) وفتح القدير (٥/٤٧) والمبسوط (٩/١٠٠) .
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب من زعم لا تقام الحدود في أرض الحرب حتى يرجع، ح رقم (١٨٢٢٥) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وزاد فيه ... (.. مخافة أن يلحق أهلها بالعدو) وقال ابن الهمام عن الحديث: لا يعلم له وجود. انظر: فتح القدير (٥/٤٦) .
وقد بحثت عنه فلم أجده حسب ما اطلعت عليه بنص لا تقام الحدود في دار الحرب فقط، وإنما مع زيادات تدل على تأجيل الحد لا سقوطه، كما عند البيهقي.
(٣) المبسوط (٩/١٠٠) وشرح الهداية على العناية بهامش فتح القدير (٥/٤٦) .
(٤) الحدود والتعزيرات عند ابن القيم د/ بكر أبو زيد (ص ٦٣) .
(٥) هو: كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد، العالم الحنفي المعروف بابن الهمام، ولد بالإسكندرية سنة (٧٩٠هـ) وقيل: غير ذلك، ثم رحل إلى القاهرة وحلب، ثم إلى مكة، ثم عاد إلى مصر، له باع في الفقه والأصول، والتفسير، والفرائض، والجدل والمناظرة، من مؤلفاته فتح القدير، وهو شرح للهداية، والتحرير في أصول الفقه، والمسايرة في العقائد المنجية، وغيرها، توفي بالقاهرة في رمضان سنة ٨٦١ هـ انظر: الأعلام (٦/٢٥٥) ومعجم المؤلفين (٣/٤٦٩) ت رقم (١٤٤٤٤) .
(٦) فتح القدير (٥/٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>