للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: أن الحنفية أوجبوا القصاص على المجاهد إذا كان الإمام خارجا مع الجيش.

وهذا الحديث ينافي ما ذهبوا إليه (١) .

الوجه الثاني: أن عدم إقامة حد القصاص في دار الحرب لا يستلزم سقوطه، بل يحتمل التأخير إلى القفول من الغزو ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، بل معناه في تأخير الحد أظهر لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك (٢) .

٢- تعذر إقامة القصاص على المجاهد لانقطاع ولاية الإمام، فإن وجوب إقامته مشروطة بالقدرة، والإمام لا قدرة له على من تلبس بما يوجب القصاص في دار الحرب، فلا قصاص (٣) .

أما إذا كان الإمام مع الجيوش، فإن له إقامة الحدود، ويمكنه القصاص بما له من القوة والشوكة باجتماع الجيوش وانقيادها له، فكان لعسكره حكم دار الإسلام (٤) .

نوقش هذا: بأن شرط إقامة الحد القدرة عليه مسلم بذلك، لكن ما الذي يسقط الحد بالكلية والمسلم إذا عاد إلى دار الإسلام صار تحت يد الإمام، فالقدرة تكون ثابتة عليه، ثم القول بعدم إقامة الحدود إهدار لمقتضيات النصوص الآمرة بإقامة الحدود (٥) .

الترجيح

الذي يظهر أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم سقوط القصاص في النفس عن المجاهد في دار الحرب لما يأتي:

١- عموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب القصاص فلا يكون وجود المجاهد في دار الحرب مانعا لما أوجبته النصوص من القصاص.

٢- مناقشة ما استدل به الحنفية في إسقاط القصاص عن المجاهد وبيان ضعف ذلك.

٣- في إسقاط القصاص عن المجاهد وسيلة إلى قتل الأنفس البريئة وقد جاء القصاص لحفظ الأنفس قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩] والله أعلم.


(١) الحدود والتعزيزات عند ابن القيم د/ بكر أبو زيد (ص٦٣) .
(٢) الحدود والتعزيزات عند ابن القيم د/ بكر أبو زيد (ص ٦٣) .
(٣) فتح القدير (٥/٤٧) وبدائع الصنائع (٦/١١٣) .
(٤) المبسوط (٩/١٠٠) وفتح القدير (٥/٤٧) وبدائع الصنائع (٦/١١٤) .
(٥) الحدود والتعزيزات عند ابن القيم (ص ٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>